للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ صَارَ كَمَا لَوْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ عِلْمِ سَيِّدِهِ، فَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَيُحْتَسَبُ بِهِ لِلْمُؤَدِّي مِنْ كِتَابَتِهِ إِنْ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ إِلَى أَجْلِهَا كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا من سيده، أو يعجلها عَنْ كِتَابَةِ نَفْسِهِ فَلَوْ لَمْ يَسْتَرْجِعْهَا الْمُكَاتَبُ وَلَا عَجَّلَهَا عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى أَدَّى مَا عَلَيْهِ، فَعَتَقَ فَفِي اسْتِحْقَاقِ اسْتِرْجَاعِهَا بَعْدَ عِتْقِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْتِرْجَاعَهَا وَالسَّيِّدُ أَوْلَى بِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى أَدَائِهَا فِي كِتَابَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ.

وَالوجهُّ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ لَهُ اسْتِرْجَاعَهَا، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ أَقْوَى مِلْكًا، وَتَصَرُّفًا فَلَمَّا اسْتَحَقَّ اسْتِرْجَاعَهَا فِي أَضْعَفِ حَالَيْهِ، كَانَ اسْتِرْجَاعُهَا فِي أَقْوَاهُمَا أَوْلَى وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ جَائِزٌ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ فِي أَدَاءِ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَدَاؤُهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ، وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِبَذْلِهِ كَالْهِبَاتِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّاهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ يَرْجِعُ بِهِ كَالْقَرْضِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُؤَدِّي وَالْمُؤَدَّى عَنْهُ من أربعة أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَعْجِزَا فَيَرِقَّا فَلَا رُجُوعَ لِلْمُؤَدِّي بِمَا أَدَّى لَا عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ، لِأَنَّهُ بِعَوْدِهِ إِلَى الرِّقِّ قَدْ صَارَتْ أَمْوَالُهُ لِسَيِّدِهِ، وَالسَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ غُرْمٌ فَلَا يَثْبُتُ لِعَبْدِهِ عَلَيْهِ مَالٌ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُؤَدِّيَا فَيَعْتِقَا فَلِلْمُؤَدِّي بَعْدَ عِتْقِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أُنْظِرَ بِهِ إِلَى مَيْسَرَتِهِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْتِقَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَيَبْقَى الْمُؤَدِّي عَلَى رِقِّهِ فَيُنْظُرُ فِي عِتْقِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَا أَقْرَضَهُ الْمُؤَدِّي نَفَذَ عِتْقُهُ، وَكَانَ الْمَالُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ دَيْنًا حَالًّا لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ بِمَا أَقْرَضَهُ الْمُؤَدِّي فَفِيهِ وَجْهَانِ أَخْرَجَهُمَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي إِفْصَاحِهِ احْتِمَالًا:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ عِتْقَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ قَدْ نَفَذَ، وَرِقَّ الْمُؤَدِّي قَدِ اسْتَقَرَّ وَيَكُونُ الْأَدَاءُ دَيْنًا لِلسَّيِّدِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُعْتَقِ اعْتِبَارًا بِحُكْمِ الْأَدَاءِ وَالْعَجْزِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِذَلِكَ الْأَدَاءِ وَيُحْتَسَبُ بِهِ لِلْمُؤَدِّي، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ الْبَاقِي عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ عَتَقَ وَأُعِيدَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ إِلَى رِقِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أُعِيدَا مَعًا إِلَى الرِّقِّ اعْتِبَارًا بِحَالِ الكسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>