فَسَقَةَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُمْ فِي الْقِبْلَةِ وَلَا قَبُولُ خَبَرِهِمْ فِيهَا فَالْكُفْرُ أَوْلَى، ولأن الكافر قصده اختلال الْمُسْلِمِ عَنْ عِبَادَتِهِ وَفِتْنَتُهُ فِي دِينِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَلَيْسَ الْكَافِرُ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِي الْإِذْنِ، وَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ فَهَلَّا كَانَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْقِبْلَةِ؟ قُلْنَا: الْإِذْنُ، وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ، أَوْسَعُ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَ الصَّبِيِّ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ أَغْلَظُ، لِأَنَّ خَبَرَ الصَّبِيِّ فِيهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَأَمَّا إِذَا اسْتَدَلَّ مُسْتَدِلٌّ مِنْ كَافِرٍ مُشْرِكٍ دَلَائِلَ الْقِبْلَةِ كَأَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ أَحْوَالِ الرِّيَاحِ، وَمَطَالِعِ النُّجُومِ فَأَخْبَرَهُ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُ ثُمَّ اجْتَهَدَ لِنَفْسِهِ عَنْ خَبَرِ الْمُشْرِكِ فِي وَجِهَاتِ الْقِبْلَةِ جَازَ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ عَمِلَ فِي الْقِبْلَةِ عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا قَبِلَ خَبَرَ الْمُشْرِكِ فِي غَيْرِهَا مِمَّا يَسْتَوِي فِي الْإِخْبَارِ بِهِ مَنْ وَقَعَ فِي النَّفْسِ صِدْقُهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي: " وَمَنِ اجْتَهَدَ فَصَلَّى إِلَى الشَّرْقِ ثُمَّ رَأَى الْقِبْلَةَ إِلَى الْغَرْبِ اسْتَأْنَفَ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ خَطَأِ جِهَتِهَا إِلَى يَقِينِ صَوَابِ جِهَتِهَا "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي رَجُلٍ اجْتَهَدَ فِي الْقِبْلَةِ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنَّهَا فِي الشَّرْقِ فَاسْتَقْبَلَهَا وَصَلَّى إِلَيْهَا ثُمَّ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ فِي جِهَتِهِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ صَوَابُ الْقِبْلَةِ فِي غَيْرِهَا فَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَاحِدٌ، وَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ الْخَطَأَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ، فَإِنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ، مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَنْقُضُ حُكْمًا نُفِّذَ بِاجْتِهَادٍ، وَإِنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ وَفِي كِتَابِ " الصِّيَامِ " مِنَ الْجَدِيدِ: أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي كِتَابِ " الصَّلَاةِ " مِنَ الْجَدِيدِ: إِنَّ الْإِعَادَةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي سُقُوطِ الْإِعَادَةِ
مَا رَوَى عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْأَحْجَارَ فَيَعْمَلُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ، فَلَمْا أَصْبَحْنَا إِذَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute