للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابٌ فِي تَدْبِيرِ النَّصْرَانِيِّ

مَسْأَلَةٌ

(قَالَ الْمُزَنِيُّ) : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (وَيَجُوزُ تَدْبِيرُ النَّصْرَانِيِّ وَالْحَرْبِيِّ فَإِنْ دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ لَمْ نَمْنَعْهُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ تَدْبِيرُ الْكَافِرِ كَمَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا، أَوْ مُعَاهَدًا، أَوْ حَرْبِيًا، لِأَنَّ الْكَافِرَ صَحِيحُ الْمِلْكِ كَالْمُسْلِمِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: ٢٧] فَأَضَافَهَا إِلَيْهِمْ إِضَافَةَ مِلْكٍ وَإِذَا ثَبَتَ لَهُمُ الْمِلْكُ صَحَّ مِنْهُمُ التَّدْبِيرُ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عَقْدٌ مُفْضٍ إِلَى الْعِتْقِ. وَعُقُودُهُمْ جَائِزَةٌ وَعِتْقُهُمْ نَافِذٌ، فَإِنْ دَبَّرَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدِمَ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ مُدَبَّرا، أَوْ دَبَّرَه فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَدْبِيرُهُ فِي الْحَالَيْنِ صَحِيحٌ، فَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِمُدَبَّرهِ مِنْ دَارِ الإٍسلام إِلَى دَارِ الْحَرْبِ مُكِّنَ مِنْهُ، وَلَمْ يُمْنَعْ فَإِنِ امْتَنَعَ الْمُدَبَّر أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، لِئَلَّا يُسْتَرَقَّ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ أُجْبِرَ عَلَى الْعَوْدِ مَعَهُ، لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ عَبْدُهُ وَإِنْ دَبَّرَهُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعَبِيدِ.

وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ فَامْتَنَعَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يُجْبَرْ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَبَّر وَالْمُكَاتَبِ: أَنَّ الْمُدَبَّر بَاقٍ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي تَدْبِيرِهِ، وَيَمْلِكُ جَمِيعَ أَكْسَابِهِ، وَالْمُكَاتَبُ فِي حُكْمِ الْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرُ مَالِكِ لأكسابه وَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي كِتَابَتِهِ، فَكَانَ هَذَا الْفَرْقُ مَانِعًا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّدِّ.

فَإِنْ أَرَادَ الْحَرْبِيُّ أَنْ يَرْجِعَ فِي تَدْبِيرِ عَبْدِهِ، كَانَ كَالْمُسْلِمِ لَهُ رُجُوعُهُ إِنْ رَجَعَ فِيهِ بِالْفِعْلِ الْمُزِيلِ لِمِلْكِهِ صَحَّ، وَإِنْ رَجَعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، وَإِذَا عَتَقَ الْمُدَبَّر عَلَى الْحَرْبِيِّ بِمَوْتِهِ كَانَ وَلَاؤُهُ مُسْتَحَقًّا لِوَرَثَتِهِ كَالْمُسْلِمِ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رضي الله عنه: (فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُدَبَّر قُلْنَا لِلْحَرْبِيِّ إِنْ رَجَعْتَ فِي تَدْبِيرِكَ بِعْنَاهُ عَلَيْكَ وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ خَارَجْنَاهُ لَكَ وَمَنَعْنَاكَ خِدْمَتَهُ فَإِنْ خَرَجْتَ دَفَعْنَاهُ إِلَى مَنْ وَكَّلْتَهُ فَإِذَا مُتَّ فَهُوَ حُرٌّ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) يباع أشبه بأصله لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>