لِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّمَنِ إِذَا عَجَزَ عَنْهَا تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ مَقْبُولٌ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بِالْكِتَابَةِ مُسَلَّطًا عَلَى مَا أَفْضَى إِلَيْهِ فَنَفَذَ إِقْرَارُهُ فِيهِ، فَإِنْ عَجَزَ مَا بِيَدِهِ عَنْ أَدَائِهِ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عتقه، والله أعلم.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَانَتْ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ دَنَانِيرُ وَلِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ فَجَعَلَا ذَلِكَ قِصَاصًا جَازَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقُلْنَا: إِنَّهُ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ مَالٌ، وَحَلَّ عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ مَالٌ، هَلْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَالَيْنِ فِي الذِّمَّةِ قِصَاصًا بِالْآخَرِ كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ أَمْ لَا؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقَاوِيلَ مَضَتْ:
أَحَدُهَا: يَكُونُ قِصَاصًا إِذَا تَرَاضَيَا بِالْقِصَاصِ، وَلَا يَكُونُ قِصَاصًا إِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى التَّرَاضِي بِهِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْتَحَقُّ مِنْ مَالٍ مُعَيَّنٍ إِلَّا بِرِضَا مَنْ هُوَ عَلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَكُونُ قِصَاصًا إِذَا رَضِيَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ قِصَاصًا إِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، كَالْحَوَالَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَكُونُ قِصَاصًا وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا كَالْوَارِثِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ صَارَ قِصَاصًا مِنْ حَقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ.
وَالرَّابِعُ: لَا يَكُونُ قِصَاصًا بِحَالٍ، وَإِنْ تَرَاضَيَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بيع دين بدين.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ نُجُومِهِ حَالَّةٌ وَلَهُ عَلَى السَّيِّدِ مِائَةُ دِينَارٍ حَالَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَا الْأَلْفَ بِالْمِائَةِ قِصَاصًا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَيْهِ عَرْضًا وَكِتَابَتُهُ نَقْدًا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقَاوِيلِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْقِصَاصِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مَا حَلَّ مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ، وَمَا عَلَى السَّيِّدِ لِلْمُكَاتَبِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ.
فَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَا نَقْدًا كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ، فَهَذَا الَّذِي يَكُونُ قِصَاصًا عَلَى الْأَقَاوِيلِ الْأَرْبَعَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَرْضًا لِأَنَّ السَّيِّدَ كَاتَبَهُ عَلَى ثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ، وَأَسْلَمَ الْمُكَاتَبُ إِلَى سَيِّدِهِ فِي ثِيَابٍ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا قِصَاصًا وَإِنْ تَرَاضَيَا قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا تَصِحُّ وَلَا يُبَرَّءَانِ إِلَّا بِقَبْضٍ