قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إِذَا سَافَرَ بِمَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يُمْنَعْ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالٍ لِنَفْسِهِ وَمَنَعَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالٍ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ مُسْتَحَقٌّ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَصَارَ كَالْأَجِيرِ.
وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ فِي الْحَضَرِ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِهِ وَمَالِ الْقِرَاضِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي الْمَالِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْمَالِ، فَإِذَا أَدَّى مَا لَزِمَهُ مِنْ عَمَلِ الْقِرَاضِ فَسَوَاءٌ فِيمَا سِوَاهُ مُمْسِكًا أَوْ عَامِلًا.
فَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ أَلَّا يُسَافِرَ بِمَالٍ لِنَفْسِهِ بَطَلَ الْقِرَاضُ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ عَلَيْهِ حَجْرًا غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ نَفْسِهِ وَمَالِ الْقِرَاضِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَهُ بِمَالِ الْقِرَاضِ وَعَلَيْهِ تَمْيِيزُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَالَيْنِ، فَإِنْ خَلْطَهُمَا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَيَجُوزُ وَيَصِيرُ شَرِيكًا وَمُضَارِبًا، وَمُؤْنَةُ الْمَالِ مُقَسَّطَةٌ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَنَفَقَةُ نَفْسِهِ إِنْ قِيلَ إِنَّهَا لَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَا، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَهِيَ مُقَسَّطَةٌ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَخْلِطَ الْمَالَيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَيَبْطُلُ الْقِرَاضُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْعَادِلِ بِهِ عَنْ حُكْمِهِ فَيَلْتَزِمُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ لَا تَخْتَلِفُ، وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْمَالَيْنِ بِقَدْرِ الْحِصَصِ، وَرِبْحُ مَالِ الْقِرَاضِ كُلِّهِ لِرَبِّ الْمَالِ لِفَسَادِ الْقِرَاضِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيهِ وَلَا يُوجَبُ لَهُ أُجْرَةُ كُلِّ الْعَمَلِ، لِأَنَّ عَمَلَهُ قَدْ تَوَزَّعَ عَلَى مَالِهِ وَمَالِ الْقِرَاضِ.
فَصْلٌ
: فَلَوْ أَبْضَعَ رَبُّ الْمَالِ عَامِلَهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ بِضَاعَةً لِنَفْسِهِ يَخْتَصُّ بِرِبْحِهَا جَازَ إِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْقِرَاضِ، وَلَمْ يَجُزْ إِنْ كَانَ عَنْ شَرْطٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ إِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِأَنَّهُ كَالْمَعْمُولِ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ مَا تَجَرَّدَ عَنِ الشَّرْطِ كَانَ تَطَوُّعًا لَا يَبْطُلُ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ أَبْضَعَهُ شِرَاءَ ثَوْبٍ يَكْتَسِيهِ أَوْ طَعَامٍ يَقْتَاتُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِغَيْرِ رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُبْضِعَهُ مَتْجَرًا جَازَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُبْضِعَهُ مَتْجَرًا لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِالْأَمْرَيْنِ.
فَصْلٌ
: وَلَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَبْتَاعَ لِنَفْسِهِ من مال القراض، ولا أن يَبِيعَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ وكيل، وكذلك لا يجوز أن يبتاع ذلك لمن يلي عليه من صغار ولده، وهكذا لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَبْتَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ لِنَفْسِهِ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْعَمَلِ فِي قَدْرِ مَا ادَّعَاهُ مِنَ النَّفَقَةِ اللَّازِمَةِ فِي مَالِ