للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ صَاحِبِهِ كَالْجَبْهَةِ مَعَ الْيَدَيْنِ؛ فَلَمَّا كَانَتِ الْيَدَانِ مَرْفُوعَتَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الرُّكْبَتَانِ مَوْضُوعَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ مَأْمُورٌ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَدَمَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَجَبْهَتِهِ، وَأَنْفِهِ، فَأَمَّا الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ، فَفَرَضَ السُّجُودَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَرْضُ السُّجُودِ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَبْهَةِ، وَالْأَنْفِ، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَسْجُدَ عَلَيْهِمَا مَعًا

وَقَالَ أبو حنيفة: فَرْضُ السُّجُودِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِ، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَ أَنْفِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ جَبْهَتِهِ أَجْزَأَهُ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ السُّجُودَ عَلَى الْأَنْفِ مَعَ الْجَبْهَةِ بِرِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُوضِعُ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ " وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ السُّجُودَ عَلَى الْأَنْفِ دُونَ الْجَبْهَةِ مُجَزِّئًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ: " مَكِّنْ جَبْهَتَكَ وَأَنْفَكَ مِنَ الْأَرْضِ " فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَقًّا وَكَانَ لَوْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَ أَنْفِهِ أَجْزَأَهُ كَذَلِكَ لَوْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ جَبْهَتِهِ أَجْزَأَهُ

وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَسْجُدَ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَجَبْهَتِهِ وَنُهِيَ أَنْ يَكُفَّ الشَّعْرَ وَالثِّيَابَ وَعِنْدَ أبي حنيفة: أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ كَانَ مَحَلًّا لِلسُّجُودِ كَانَ مُغْنِيًا وَلَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْيَدَيْنِ، وَخَبَرُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَنَفْيِ الْكَمَالِ

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ فَفِي وُجُوبِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعِ ذِكْرِ السُّجُودِ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّمَا خُصَّ بِالْوَجْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: ٢٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: ١٠٧] ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ "، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ السُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ كَمَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ لَلَزِمَهُ الْإِيمَاءُ بِهَا فِي حَالِ الْعَجْزِ، كَمَا لَزِمَهُ الْإِيمَاءُ بِالْجَبْهَةِ فَلَمَّا سَقَطَ عَنْهُ الْإِيمَاءُ بِهَا عِنْدَ عَجْزِهِ سَقَطَ وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَيْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ السُّجُودَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ لِرِوَايَةِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>