للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

: قَدْ ذَكَرْنَا مَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْلَالُ الْأَوَّلُ وَمَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْلَالُ الثَّانِي، وَمَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْإِحْلَالِ الْأَوَّلِ، وَمَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْإِحْلَالِ الثَّانِي، وَإِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا مُقَرَّرًا لَمْ يَقَعِ التَّحَلُّلُ بِدُخُولِ زَمَانِ التَّحَلُّلِ حَتَّى يَفْعَلَ مَا يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ.

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَحِلُّ بِدُخُولِ الزَّمَانِ دُونَ الْفِعْلِ فَإِذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ بِزَمَانٍ حَلَقَ وَرَمَى فَقَدْ حَلَّ إِحْلَالَهُ الْأَوَّلَ، وَإِنْ لَمْ يَرْمِ وَلَمْ يَحْلِقْ، اسْتِدْلَالًا بِشَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ عِبَادَتَانِ مُتَشَابِهَتَانِ لِتَعَلُّقِ الْكَفَّارَةِ بِهِمَا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ مِنْ صَوْمِهِ بِدُخُولِ زَمَانِ الْفِطْرِ وَإِنْ لَمْ يُفْطِرْ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ حَجِّهِ بِدُخُولِ زَمَانِ الرَّمْيِ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لما تحلل من إحرامه بسنوات زَمَانِ الرَّمْيِ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ وَذَلِكَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ تَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ بِدُخُولِ زَمَانِ الرَّمْيِ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ وذلك دخول نصف الليل من في لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فإذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ " فَجَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي وُقُوعِ التَّحَلُّلِ وَلِأَنَّ لِلْحَجِّ إِحْلَالَيْنِ أَوَّلٌ وَثَانٍ فَلَمَّا لَمْ يَتَحَلَّلْ إِحْلَالَهُ الثَّانِيَ بِدُخُولِ وَقْتِهِ، كَانَ فِي الْإِحْلَالِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى حَالَ إِحْرَامِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَتَحَلَّلَ بِدُخُولِ وَقْتِهِ، فَأَمَّا جَمْعُهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْفِطْرِ مِنَ الصَّوْمِ فَفَاسِدٌ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي جَمْعُهُ صَحِيحٌ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي نَذْكُرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّوْمِ يَكُونُ مُفْطِرًا، لِخُرُوجِ زَمَانِهِ وَكَذَا فِي الرَّمْيِ يَكُونُ مُحِلًّا؛ لِفَوَاتِ زَمَانِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُحِلًّا بِدُخُولِ زَمَانِهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّوْمِ مُفْطِرًا بِدُخُولِ زَمَانِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ مُتَحَلِّلًا بِفَوَاتِ زَمَانِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَحَلِّلًا بِدُخُولِ زَمَانِهِ، فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَعَنًى جَامِعٌ، ثُمَّ هُوَ بِالصَّوْمِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ خَارِجًا مِنْهُ بِفَوَاتِ زَمَانِهِ، وَلَا يَكُونُ داخلاً فيه بدخول زمانه.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ بِأَوَّلِ حصاةٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ وَعُمَرُ وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد لم يزالوا يلبون حتى رموا الجمرة ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَاجَّ يُلَبِّي مِنْ حِينِ تَنْبَعِثُ بِهِ رَاحِلَتُهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ إِلَى أَنْ يَرْمِيَ أَوَّلَ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَحِينَئِذٍ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ وَيَأْخُذُ فِي التَّكْبِيرِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إِذَا حَصَلَ بِمِنًى، وَأَخَذَ فِي التَّوَجُّهِ مِنْهَا إِلَى عَرَفَةَ، وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ بِحَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة؛ ولأنه قبل

<<  <  ج: ص:  >  >>