وَصُورَتُهَا: فِي رَهْنٍ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ: أَنَّ هَذَا الْإِذْنَ صَحِيحٌ، فَإِذَا بِيعَ الرَّهْنُ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَلَمْ يَبْطُلِ الرَّهْنُ، وَكَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا مَكَانَهُ لِأَنَّ نَقْلَ عَيْنِ الرَّهْنِ إِلَى بَدَلٍ يَكُونُ مَكَانُهُ لَا يَقْتَضِي فَسَادَ الرَّهْنِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الرَّهْنَ مُتْلِفٌ فَأُغْرِمَ الْقِيمَةَ لَمْ يَفْسَدِ الرَّهْنُ وَكَانَتِ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَكَانَهُ. كَذَلِكَ إِذَا بَاعَهُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا مَكَانَهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّ هَذَا الْإِذْنَ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَيَكُونُ الرَّهْنُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِذْنَ يَقْتَضِي ارْتِهَانَ الثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ الَّذِي يُحَصَّلُ فِيهِ مَجْهُولٌ، وَارْتِهَانُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ، وَإِذَا بَطَلَ الشَّرْطُ بَطَلَ الْإِذْنُ وَإِذَا بَطَلَ الْإِذْنُ بَطَلَ الْبَيْعُ وَكَانَ الرَّهْنُ بِحَالِهِ.
فَأَمَّا إِذَا رَهَنَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدْ رَهَنْتُكَ عَبْدِي هَذَا عَلَى أَنْ يُبَاعَ وَيَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، فَهَذَا رَهْنٌ بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ رَهْنًا مُسْتَقِرًّا فَكَانَ بَاطِلًا.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: أَنْ يأذن المرتهن للراهن في بيع الرهن عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ قِصَاصًا مِنْ حَقِّهِ الْمُؤَجَّلِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِذْنُ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ. وَنَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَلَى قَوْلَيْنِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا:
فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُخَرِّجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ الْإِذْنَ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعَ مَفْسُوخٌ، وَالرَّهْنَ بِحَالِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْإِذْنَ صَحِيحٌ وَالْبَيْعَ مَاضٍ وَالشَّرْطَ مَفْسُوخٌ وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُهُ.
وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا مِنَ الْبَغْدَادِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ: إِنَّ الْإِذْنَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعَ مَفْسُوخٌ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى:
أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ الشَّرْطُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا مَكَانَهُ صَحَّ الْإِذْنُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا. وَلَمَّا فَسَدَ الشَّرْطُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ مِنْ حَقِّهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَالْإِذْنُ قَوْلًا وَاحِدًا فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى صِحَّةِ الْإِذْنِ وَجَوَازِ الْبَيْعِ وَفَسَادِ الشَّرْطِ فَقَالَ: الْبَيْعُ