للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيء الَّذِي لَا يُضَايَقُونَ فِي قَدْرِهِ، وَلَا يَمْنَعُونَ رمي الثنيا من جملة، هَذَا فِي ثِمَارِ النَّخْلِ، فَأَمَّا الْكُرُومُ فَهُمْ وَغَيْرُهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ تُخْرَصُ عَلَيْهِمْ كَمَا تُخْرَصُ على الناس والله أعلم.

[مسألة:]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَوَقْتُ الْخَرْصِ إِذَا حَلَّ الْبَيْعُ وَذَلِكَ حِينَ يُرَى فِي الْحَائِطِ الْحُمْرَةُ أَوِ الصُّفْرَةُ وَكَذَلِكَ حِينَ يَتَمَوَّهُ الْعِنَبُ وَيُوجَدُ فِيهِ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي جَوَازِ الْخَرْصِ، فَأَمَّا وَقْتُ الْخَرْصِ فَهُوَ حِينَ تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ يَكُونُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ أَنْ تَحْمَرَّ أَوْ تَصْفَرَّ، وَفِي الْعِنَبِ أَنْ يَتَمَوَّهُ أَوْ يَسْوَدَّ إِذَا اسْتُطِيعَ أَكْلُهُ، وَبَدَتْ مَنْفَعَتُهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَلَمْ تَجِبْ فِيمَا قَبْلُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالزَّكَاةِ الْمُوَاسَاةُ بِالْمَالِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ، وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ غَالِبًا، فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الزَّكَاةَ اسْتِحْدَاثُ حَقٍّ شَائِعٍ فِي الثَّمَرَةِ، وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِحْدَاثُ حَقٍّ شَائِعٍ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِاشْتِرَاطِ الْقَطْعِ، وَاشْتِرَاطُ الْقَطْعِ لَا يَصِحُّ فِي الْمَشَاعِ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ لَمْ يَجُزِ الْخَرْصُ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وُرُودُ السُّنَّةِ وَهُوَ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خيبر خارصاً إذا حان أَكْلُ الثِّمَارِ ".

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخَرْصِ حِفْظُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَانْتِفَاعُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِالتَّصَرُّفِ، وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَيْسَ لِلْمَسَاكِينِ حَقٌّ يُحْفَظُ عَلَيْهِمْ، وَلِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ التَّصَرُّفُ فِي ثِمَارِهِمْ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ الْخَرْصُ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَلَوْ خَرَصَهَا السَّاعِي قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَانَ خَرْصُهُ بَاطِلًا، وَأَعَادَ الْخَرْصَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ حَائِطَانِ بَدَا صَلَاحُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُ الْآخِرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُخْرَصَانِ مَعًا وَيَكُونُ حُكْمُ الصَّلَاحِ جَارِيًا عَلَيْهِمَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ فَيُخْرَصُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ دُونَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا يُخْرَصُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الْآخَرِ فيخرصان معاً والله أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَأْتِي الْخَارِصُ النَّخْلَةَ فَيُطِيفُ بِهَا حَتَى يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ خَرْصُهَا رُطَبًا كذا وكذا وينقص إذا صار تمراً كذا وكذا فيبنيها عَلَى كَيْلِهَا تَمْرًا وَيَصْنَعُ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الْحَائِطِ وهكذا العنب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>