أَوْ فِضَّةٍ، ضَاقَ زَمَانُ بِرِّهِ لِإِمْكَانِ وَزْنِهِ فِي أَوَّلِ زَمَانٍ بَعْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ بِأَقَلِّ زَمَانٍ حَنِثَ، فَإِنْ شَرَعَ فِي حَمْلِهِ إِلَيْهِ مَعَ رَأْسِ الشَّهْرِ، وَكَانَ بَعِيدَ الدَّارِ مِنْهُ حَتَّى مَضَتِ اللَّيْلَةُ أَوْ أَكْثَرُهَا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْإِمْكَانِ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَطُولُ زَمَانُ قَضَائِهِ كَمِائَةِ كُرٍّ مِنْ بُرٍّ اتَّسَعَ زَمَانُ بِرِّهِ إِذَا شَرَعَ فِي الْقَضَاءِ مَعَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَامْتَدَّ بِحَسْبِ الْوَاقِعِ مِنْ كَيْلِ هَذَا الْقَدْرِ حتى ربما اعتد أياما، فإ، أَخَّرَ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ فِي جَمْعِ مَا يَقْضِيهِ وَتَحْصِيلِهِ لِلْقَضَاءِ حَنِثَ، وَلَوْ أَخَذَ فِي نَقْلِهِ إِلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ نَقْلَهُ مَشْرُوعٌ فِي الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ جَمْعُهُ مَشْرُوعًا فِيهِ، وَقَوْلُ الشافعيب رحمه الله في هذه المسألة فرأى يفي اللَّيْلَةِ الَّتِي يَهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ حَنِثَ، يَعْنِي إِذَا لَمْ يَقْضِهِ فِيهَا، فَإِنْ قَضَاهُ بَرَّ، وَلَيْسَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ شَرْطًا، وَإِنَّمَا دُخُولُ الشَّهْرِ بِأَوَّلِه جُزْءٍ مِنْ لَيْلَتِهِ هُوَ الزَّمَانُ الْمُعْتَبَرُ، لِأَنَّ الْهِلَالَ رُبَّمَا غُمَّ بسحابٍ مَنَعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ إِلَّا أَنْ يُغَمَّ فِي لَيْلَةِ شَكٍّ، فَلَا يَكُونَ مِنَ الشَّهْرِ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، فَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حقه إلى رمضان، فجعل رمضان غايةً واحداً، لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِحَرْفٍ وُضِعَ لِلْغَايَةِ وَالْحَرْفُ هُوَ " إِلَى "، فَيَكُونُ زَمَانُ بِرِّهِ مِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ إِلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ رَمَضَانَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) {البقرة: ١٨٧) فَكَانَ زَمَانُ الصِّيَامِ إِلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ حَتَّى دَخَلَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ رَمَضَانَ حَنِثَ وَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِانْقِضَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْهُ، فَإِنْ شَرَعَ فِي قَضَاءِ الْحَقِّ قَبْلَ رَمَضَانَ وَكَمَّلَهُ فِي رَمَضَانَ لِطُولِ زَمَانِهِ بَرَّ، لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْقَضَاءِ كَالْقَضَاءِ، فَإِنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ فِي لَيْلَةِ شَكٍّ فِي دُخُولِ رَمَضَانَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا مِنْ رَمَضَانَ، فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ كَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي إِلَى رَمَضَانَ أَيْ: فِي رَمَضَانَ، دِينَ فِي الْبَاطِنِ لِاحْتِمَالِ مَا أَرَادَ لِأَنَّهَا حُرُوفٌ تُقَامُ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) {طه: ٧١) أَيْ: عَلَيْهَا فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ فَيَحْنَثُ إِذَا تَعَلَّقَ بِيَمِينِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ دُونَ مَجَازِهِ، فَإِنْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ عِنْدَ رَمَضَانَ لَمْ يَبَرَّ بِقَضَائِهِ قَبْلَ رَمَضَانَ، لِأَنَّ كَلِمَةَ عِنْدَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمُقَارَبَةِ، فَإِذَا أَهَلَّ رَمَضَانُ احْتَمَلَ مَا يُعْتَبَرُ فِي بِرِّهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ بِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ عِنْدَ دُخُولِهِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ حَنِثَ كَمَا لَوْ قَالَ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ جَمِيعُ الشَّهْرِ وَقْتًا لِلْبِرِّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ، فَصَارَ حُكْمُ آخِرِهِ كَحُكْمِ أَوَّلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute