للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب خلع المشركين من كتاب نشوز الرجل على المرأة)]

[(مسألة:)]

قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إِنِ اخْتَلَعَتِ الذِّمِّيَّةُ بِخَمْرٍ أَوْ بِخَنْزِيرٍ فَدَفَعَتْهُ ثُمَّ تَرَافَعَا إِلَيْنَا أَجَزْنَا الْخُلْعَ وَالْقَبْضَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ دَفَعَتْهُ جَعَلْنَا لَهُ عَلَيْهَا مَهْرَ مِثْلِهَا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ خُلْعُ الْمُشْرِكِينَ جَائِزٌ كَالْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ حِلُّ نِكَاحٍ كَالطَّلَاقِ، وَلَا يَخْلُو حَالُ الْعِوَضِ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا، فَإِنْ كَانَ حَلَالًا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِعَ بِهِ الزَّوْجَانِ الْمُسْلِمَانِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَمَا كَانَ مَعْلُومًا مِنَ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ صَحَّ خُلْعُهُمَا بِهِ، فَإِنْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا أَمْضَيْنَاهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا مِنْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا إِلَيْنَا فِيهِ أُقِر عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِمَا لِاسْتِهْلَاكِهِمَا ذَلِكَ فِي شِرْكِهِمَا، فَكَانَ عفواً قال الله تعالى: {يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ من الربا} [البقرة: ٢٧٨] فعفى عَمَّا مَضَى، وَحَرَّمَ مَا بَقِيَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَبَرِئَتْ مِنَ الْعِوَضِ بِالْقَبْضِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَرَافَعَا إِلَيْنَا قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِحَاكِمِنَا أَنْ يَحْكُمَ فِي خُلْعِهِمَا بِإِقْبَاضِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تتبع أهواءهم} [الشورى: ١٥] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أُوقِعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَأُبْطِلَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ، وَحُكِمَ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، لِأَنَّ فَسَادَ الْخُلْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ يُوجِبُ الطَّلَاقَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَرَافَعَا إِلَيْنَا بَعْدَ أَنْ تَقَابَضَا بَعْضَهُ، وَبَقِيَ بَعْضُهُ، فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ بَائِنًا، وَيَمْضِي مِنَ الْخُلْعِ مَا تَقَابَضَاهُ، وَيَبْطُلُ مِنْهُ مَا بَقِيَ، وَيُحْكَمُ فِيهِ بِقِسْطِهِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، كَأَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى عَشَرَةِ خَنَازِيرَ، فَأَقْبَضَتْهُ مِنْهَا خَمْسَةً، وَبَقِيَ مِنْهَا خَمْسَةٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْ نِصْفِ الْبَدَلِ، وَبَقِيَ عَلَيْهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَلَوْ كَانَ قَدْ خَالَعَهَا عَلَى عَشَرَةِ خَنَازِيرَ وَعِشْرِينَ زِقًّا مِنْ خَمْرٍ، وَتَقَابَضَا الْخَنَازِيرَ وَبَقِيَ الْخَمْرُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَمْيِيزِ الْجِنْسَيْنِ وَتَسَاوِيهِمَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أنهما يتميزان في الحكم لتميزها فِي الْجِنْسِ، فَعَلَى هَذَا يَغْلِبُ اعْتِبَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>