يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَقِسْمٌ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ فِي الْجَمْعِ لَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَقِسْمُ إِبَاحَةٍ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ التَّأْبِيدِ وَلَا تَحْرِيمَ الْجَمْعِ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ تَحْرِيمُ التَّأْبِيدِ، فَفِي أَنْسَابِ الْبَعْضِيَّةِ وَالْوِلَادَةِ كَالْمَرْأَةِ فِي تَحْرِيمِ أُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا عَلَيْهِ يَحْرُمْنَ عَلَى الْأَبَدِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ فِي حال العقد ممن غَيْرِ تَحْرِيمٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَفِيمَا تَجَاوَزَ الْوِلَادَةَ، وَاتَّصَلَ بِهَا مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ لَمَّا نَزَلْنَ عَنْ دَرَجَةِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ فِي التَّعْصِيبِ لَمْ يَحْرُمْنَ عَلَى التأبيد ولما شاركتهن في المحرم حُرِّمْنَ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَنْ لَا يَحْرُمْنَ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَا عَلَى وجه الجمع فمن عدا الفرقين مِنْ بَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ لَمَّا نَزَلْنَ عَنِ الدَّرَجَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُنَّ بَعْضِيَّةُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَلَا مُحَرَّمُ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ، لم يتعلق عليهن واحد من حكم التحريم لا التأبيد ولا الجمع وجاز للرجال أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ وَإِنْ تَنَاسَبْنَ لِبُعْدِ النَّسَبِ وَخُلُوِّهِ مِنْ مَعْنَى أَحَدِ التَّحْرِيمَيْنِ.
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ وَأَنَّ تَحْرِيمَ الجمع يختص به ذوات الْمَحَارِمِ مَنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ كَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ فَنَكَحَ الرَّجُلُ أُخْتَيْنِ أَوِ امْرَأَةً وَخَالَتَهَا وعمتها فهذا على ضربين:
أحدهما: أنه يعقد عليهما معاً في عقد واحد فنكاحها بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يتعين الْمُخْتَصَّةُ بِالصِّحَّةِ مِنْهُمَا وَجَبَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا لتساويهما وسواء دخل بأحدها أَوْ لَمِ يَدْخُلْ وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يستأنف العقد على أيهما شَاءَ فَإِنْ عَقَدَ عَلَى الَّتِي دَخَلَ بِهَا سَقَطَ مَا عَلَيْهَا مِنْ عِدَّةِ أصَابَته وَإِنْ عَقَدَ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَحَّ عَقْدُهُ، ويستبح أَنْ يُمْسِكَ عَنْ إِصَابَتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا مِنْ إِصَابَتِهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ فِي أُخْتَيْنِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِمَا ثَانِيَةً بَعْدَ أُولَى فَنِكَاحُ الْأُولَى ثَابِتٌ وَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ لِاسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ عَلَى الْأُولَى قَبْلَ الْجَمْعِ فَلَوْ شَكَّ فِي أَيَّتِهِمَا نَكَحَ أَوَّلًا فَهَذَا على ضربين:
أحدهما: أن يطرأ الشَّكُّ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْيَقِينِ فَنِكَاحُهُمَا مَوْقُوفٌ وَإِحْدَاهُمَا زَوْجَةٌ مَجْهُولَةُ الْعَيْنِ وَالْأُخْرَى أَجْنَبِيَّةٌ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَزْوَاجِ حَتَّى يَبِينَ أَمْرُهَا فَإِنْ صَرَّحَ بِطَلَاقِ إِحْدَاهُمَا حَلَّتْ لِغَيْرِهِ، وَكَانَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ بِحَالَةٍ، وَالْأُخْرَى عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنِ اسْتَأْنَفَ عَلَيْهَا عَقْدًا حَلَّتْ لَهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مَعَ ابتداء العقد لم يتقدمه يقين فنكاحها بَاطِلٌ لَا يُوقَفُ عَلَى الْبَيَانِ لِعَدَمِهِ وَهَلْ يَفْتَقِرُ بُطْلَانُهُ إِلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ أَمْ لَا؟ على وجهين:
أحدهما: يفتقر ويكون الإشكال وَالِاشْتِبَاه بَاطِلًا؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَتَمَيَّزْ إِبَاحَتُهُ مِنَ الْحَظْرِ غَلَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْحَظْرِ.