للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلزَّكَاةِ، لِأَنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَزِدْ، وَهَذَا فَاسِدٌ، وَعُمُومُ مَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ عَلَى أبي حنيفة يُبْطِلُهُ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ لَيْسَ يَخْلُو حَالُكَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَعْتَبِرَ الْمُلَّاكَ كَاعْتِبَارِ أبي حنيفة، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ تَعْتَبِرَ الْمِلْكَ كَاعْتِبَارِنَا فَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرْتَهُ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالزَّكَاةِ، فَيُقَالُ لَهُ إِنْ أَرَدْتَ مَعَ اجْتِمَاعِ الْمَالَيْنِ فَغَيْرُ مسلم، بل هما مخاطبان، وَإِنْ أَرَدْتَ مَعَ انْفِرَادِهِمَا، فَالْمَعْنَى فِيهِ عَدَمُ النصاب، وإذا اجتمعا كان النصاب موجوداً.

[فصل]

: قال الشَّافِعِيِّ: " وَالَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ ما لم يقسما الماشية خَلِيطَانِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْخُلْطَةَ نَوْعَانِ، خُلْطَةُ أَوْصَافٍ وَخُلْطَةُ أَعْيَانٍ، فَخُلْطَةُ الْأَعْيَانِ الشَّرِكَةُ، وَخُلْطَةُ الْأَوْصَافِ، مَا تعين مال كل واحد منهما بصفة، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُسَمَّى خُلْطَةً لُغَةً أَوْ شَرْعًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ تُسَمَّى خُلْطَةً شَرْعًا، لَا لُغَةً؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ فِي اللُّغَةِ مَا لَمْ يتميز، وقال آخرون بل يسمى ذلك لُغَةً وَشَرْعًا، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِمِثْلِهِ فِي قصة داود {إنَّ هذَا أَخِي} ، إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيراُ مِنْ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) {ص: ٢٤) فَسَمَّاهُمْ خُلَطَاءَ وَإِنْ كَانَتِ النَّعْجَةُ مُتَمَيِّزَةً عَنِ النِّعَاجِ، فَإِنْ قِيلَ فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يُقَسِّمَا الْمَاشِيَةَ خَلِيطَانِ، يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ شَاكًّا فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ، قِيلَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ خُلْطَةَ الْأَوْصَافِ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا، ثُمَّ لَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّ الشَّرِكَةَ خُلْطَةٌ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَشُكَّ فِيهِ لَاحِقًا بِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَتَرَاجُعُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ أَنْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ فِي الْإِبِلِ فِيهَا الْغَنَمُ فَتُوجَدُ الْإِبِلُ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا فيؤخذ مِنْهُ صَدَقَتُهَا فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالسَّوِيَّةِ (قَالَ) وقد يكون الخليطان الرجلين يتخالطان بماشيتهما وإن عرف كل واحدٍ منهما ماشيته ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ، إِذَا أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ، فَلِرَبِّهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْلِمْهُ السَّاعِي رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِمَّا أُخِذَ، وإن ظلمه رجع بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنَ الْوَاجِبِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بالزيادة التي ظلم بها، وأما خلطة الأعيان: فإن كانت فريضتها الغنم، فالجواب في التراجع على ما ذكرنا في خلطة الأوصاف، وإن كانت ماشية فريضتها منها فلا تراجع بينهما، سواء كان عدلاً أو حيفاً لأن المأخوذ منهما على قدر ماليهما، ولكن تطوع أحدهما في هذا بأن أعطى زيادة على الواجب، فإن كان بأمر شريكه فلا شيء عليه، وإن كان بغير أمره ضمن حصة شريكه من الزيادة والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>