جَوَازِ بَيْعِهِ، فَانْتَشَرَتْ حُرْمَتُهُ إِلَيْهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهَا، فَعَلَى هَذَا يُوقَفُ أَمْرُهَا عَلَى عِتْقِهِ ورقه.
فَإِنْ عَتَقَ حَرُمَ بَيْعُهَا، وَإِنْ عَجَزَ وَرَقَّ صَارَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا مِلْكًا لِلسَّيِّدِ، تَبَعًا لِرِقِّ الْمُكَاتَبِ، وَلَهُ بَيْعُ جَمِيعِهِمْ، هَذَا إِذَا كَانَ وَضْعُهَا لِلْوَلَدِ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ.
فَأَمَّا إِذَا وَضَعَتْ وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي حَالِ الْعُلُوقِ وَحُرٌّ فِي وَقْتِ الْوِلَادَةِ، فَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِأَبِيهِ لِعِتْقِ الْوَلَدِ بَعْدَ رِقِّهِ، وَهَلْ تَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ.
وَإِنْ وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُلُوقُهُ مُتَقَدِّمًا فِي الرِّقِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُدُوثِهِ، وَفِي شَكٍّ مِنْ تَقَدُّمِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْيَقِينِ دُونَ الشَّكِّ. فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، لأنه لم يجر عَلَيْهِ رِقٌّ، وَتَكُونُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّهَا عَلَقَتْ بِحُرٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى أَنْ يَضَعَ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ الله الذي آتاكم} وَهَذَا عِنْدِي مِثْلُ قَوْلِهِ {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وَاحْتَجَّ بِابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسَةَ آلَافٍ أَحْسَبُهُ قَالَ مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، يَجِبُ عَلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا، إِمَّا إِبْرَاءً مِنْهُ أَوْ رَدًّا عَلَيْهِ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ، تَخْفِيفًا عَنْهُ وَمَعُونَةً لَهُ، فَإِنْ فَعَلَهُ طَوْعًا وَإِلَّا أُخِذَ بِهِ جَبْرًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ احْتِجَاجًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ) . وَلَوْ كَانَ الْإِيتَاءُ وَاجِبًا لِعِتْقٍ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ، فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ.
وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ مُعَاوَضَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ شَيْئًا غَيْرَ مَشْرُوطٍ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ الْآخَرُ كَالْبَيْعِ طَرْدًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، إِلَّا مَا شَرَطَهُ الْبَائِعُ مِنَ الثَّمَنِ، وَشَرَطَهُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمُثَمَّنِ، وَكَالنِّكَاحِ عَكْسًا، لَمَّا اسْتَحَقَّتِ الزَّوْجَةُ فِيهِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ مِنَ الْمُتْعَةِ اسْتَحَقَّ الزَّوْجُ فِيهِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ، مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute