أَحَدُهَا: مَا يَكُونُ مُسْتَقَرُّهُ فِي الْبَرِّ، وَمَرْعَاهُ مِنَ الْبَحْرِ مِثْلَ: طَيْرِ الْمَاءِ فَهَذَا مِنْ حيوان البر وتجري عَلَيْهِ حُكْمُهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ مُسْتَقَرُّهُ فِي الْبَحْرِ وَمَرْعَاهُ فِي الْبَرِّ كَالسُّلَحْفَاةِ فَهَذَا مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَسْتَقِرُّ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَيَرْعَى فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَيُرَاعَى أَغْلَبُ حَالَيْهِ.
فَإِنْ كَانَ أَغْلَبُهُمَا الْبَرَّ فِي مُسْتَقَرِّهِ وَمَرْعَاهُ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ، وَإِنْ كَانَ أَغْلَبُهَا الْبَحْرَ فِي مُسْتَقَرِّهِ وَمَرْعَاهُ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَإِنِ اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ، وَلَمْ يُغَلَّبْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ حَيَوَانِ الْبَرِّ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْبَحْرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ حَيَوَانِ الْبَحْرِ تَغْلِيبًا لِلْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ مستغنٍ عَنِ الْبَرِّ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ كَانَ شَيْئًا تَطُولُ حَيَاتُهُ فَذَبَحَهُ لِاسْتِعْجَالِ مَوْتِهِ مَا كَرِهْتُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا السَّمَكُ، فَلَا يَلْزَمُ ذَبْحُهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ صَيْدِهِ جَازَ أَنْ يَنْتَظِرَ بِهِ مَوْتَهُ، وَلَا يُكْرَهُ انْتِظَارُهُ، وَجَازَ أَنْ يُعَجَّلَ ذَبْحُهُ، وَلَا يُكْرَهُ ذَبْحُهُ، وَفِي الِاسْتِحْبَابِ منها وجهان:
أحدهما: أن تزكه لِيَمُوتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ ذَكَاةٌ.
وَالثَّانِي: إِنَّ ذَبْحَهُ أَوْلَى لِيَسْتَعْجِلَ الرَّاحَةَ مِنْ أَبْطَأِ الْمَوْتِ.
وَأَمَّا غَيْرُ السَّمَكِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ إِذَا قِيلَ بِإِبَاحَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ ذَبْحُهُ حَيًّا بَعْدَ صَيْدِهِ حَتَّى مَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْبَرِّ إِذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى ذَكَاتِهِ بَعْدَ صَيْدِهِ حَلَّ أَكْلُهُ، فَكَانَ صَيْدُ الْبَحْرِ أَوْلَى، وَإِنْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ بَعْدَ صَيْدِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ ذَبْحِهِ وَكَوْنِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ شَرْطًا فِي إِبَاحَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ إِنَّ ذَبْحَهُ لَا يَجِبُ، وَإِنَّ مَوْتَهُ ذَكَاةٌ كَالسَّمَكِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ فِي الْإِبَاحَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَنِ اعْتَبَرَ حَيَوَانَ الْبَحْرِ بِحَيَوَانِ الْبَرِّ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الذَّكَاةِ، وَحَرَّمَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا إِذَا مَاتَ، وَهَذَا الْجَمْعُ فَاسِدٌ في الأمرين.