فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوْ قَالَ لَهُمَا: إِذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ.
فَقَالَتَا: قَدْ حِضْنَا، فَكَذَّبَهُمَا لَمْ يَقطعِ الطَّلَاقُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَشِيئَتَهُمَا إِنَّمَا هِيَ وُجُودُ الْقَوْلِ مِنْهُمَا، وَقَدْ وُجِدَ مَعَ التَّكْذِيبِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَا يَكُونُ حَيْضُهَا وُجُودَ الْقَوْلِ مِنْهُمَا فإذا أكذبهما فيه لم يَعْلَمْ وَجُودَهُ فَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي: (وَلَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مَحْجُورًا عَلَيْهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَطَلَاقُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا بَائِنٌ وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُخْرَى وَيَمْلِكُ رجعتها (قال المزني) رحمه الله تعالى هذا عندي يَقْضِي عَلَى فَسَادِ تَجْوِيزِهِ مَهْرَ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَهْرِ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ وَخُلْعِ أَرْبَعٍ فِي عقدة بألف فإذا أفسده في إحداهما للجهل بما يصيب كل واحدة منهن فسد في الأخرى ولكل واحدة منهن وعليها مَهْرِ مِثْلِهَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ يقول لزوجته، وَإِحْدَاهُمَا مَحْجُورٌ عَلَيْهَا: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ عَلَى الْأَلْفِ إِنْ شِئْتُمَا فَشَاءَتَا مَعًا، طُلِّقَتَا، لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا بِوُجُودِ مَشِيئَتَيْنِ، وَقَدْ وُجِدَتَا، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ وُقُوعَ طَلَاقِهِمَا، وَيَكُونُ طَلَاقُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا بَائِنًا، وَفِيمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَالثَّانِي: بِقِسْطِ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنَ الْأَلْفِ.
فَأَمَّا طَلَاقُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ رَجْعِيًّا، لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ يَصِحُّ مَعَ الْحَجْرِ.
فَإِنْ قِيلَ: فإذا لم يصح خلعها فينبغي أن لا تَصِحَّ مَشِيئَتُهَا.
قِيلَ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَشِيئَةِ التَّمْيِيزُ وَفِي الْخُلْعِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ، وَلِلْمَحْجُورِ عَلَيْهَا تَمْيِيزٌ فَصَحَّتْ مَشِيئَتُهَا، وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهَا فَلَمْ يَصِحَّ خُلْعُهَا، فَلَوْ كَانَتْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إِحْدَاهُمَا مَجْنُونَة فَشَاءَتَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُمَا، لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا تَمْيِيزَ لَهَا، فَلَمْ تَصِحَّ مَشِيئَتُهَا، وَكَانَتْ كَمَنْ لم تشاء، وَلَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا صَغِيرَةً فَشَاءَتَا، تُطْرَحُ الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ لَمْ تَصِحَّ مَشِيئَتُهَا، كَالْمَجْنُونَةِ، فَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً صَحَّتْ مَشِيئَتُهَا كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهَا، وَوَقَعَ طَلَاقُهَا، وَكَانَ طَلَاقُ الْكَبِيرَةِ بَائِنًا، وَطَلَاقُ الصَّغِيرَةِ رَجْعِيًّا.
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ رَأَى الشَّافِعِيَّ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْجَائِزَةِ الْأَمْرَ مَهْرَ مِثْلِهَا فَقَالَ: (هَذَا يَقْضِي عَلَى فَسَادِ تَجْوِيزِهِ مَهْرَ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَهْرِ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ، وَخُلْعِ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بألف.