الْجَمِيعِ، وَصَارَ بِهِ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ. وَإِنْ شَرِبَ مِنْهُ مَا لَمْ يُسْكِرْهُ فَإِنْ عَاقَرَ عَلَيْهِ أَوْ تَكَلَّمَ بِالْخَنَا وَالْهُجْرِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَوْ عَاقَرَ عَلَى الْمَاءِ كَانَ حَرَامًا.
وَإِنْ لَمْ يُعَاقِرْ وَشَرِبَ مِنْهُ مَا لَمْ يُسْكَرْ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْتَقِدَ تَحْرِيمَهُ إِمَّا بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ. فَيَفْسُقَ بِشُرْبِهِ وَيُحَدَّ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ مَعْصِيَةً فَصَارَ بِإِقْدَامِهِ عَاصِيًا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْتَقِدَ إِبَاحَتَهُ إِمَّا بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يَكُونُ عَلَى عَدَالَتِهِ وَيُحَدُّ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ فَسَقَ. فَيُحَدُّ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ.
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لا ترد شهادته ولا يحد.
ومنعا جَمِيعًا مِنِ اجْتِمَاعِ الْحَدِّ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَجَعَلَ مَالِكٌ وُجُوبَ الْحَدِّ مُسْقِطًا لِلشَّهَادَةِ، وَجَعَلَ الْمُزَنِيُّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ مُسْقِطًا لِلْحَدِّ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا، فَأَوْجَبَ الْحَدَّ وَلَمْ يَرُدَّ الشَّهَادَةَ، لِأَنَّ الْحَدَّ مِنْ حُكْمِ الشُّرْبِ لِلرَّدْعِ عَنْهُ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ بِالْفِسْقِ بِالتَّفْسِيقِ فِي حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْمَعْصِيَةُ فِي تَأْوِيلِ مَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ مُرْتَفِعَةٌ، فَلَمْ يَمْتَنِعِ اجْتِمَاعُ الْحَدِّ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْقَاذِفِ إِذَا تَابَ قَبْلَ الْحَدِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: إِنْ شَرِبَ غَيْرَ مُعْتَقِدِ الْإِبَاحَةِ وَلَا حَظْرٍ، مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إباحتها وحظروها، فَفِي فِسْقِهِ وَرَدٍّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ تَرْكَ الِاسْتِرْشَادِ فِي الشُّبَهَاتِ تَهَاوُنٌ فِي الدِّينِ فَصَارَ فِسْقًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ. لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْإِبَاحَةِ أَغْلَظُ مِنَ الشُّرْبِ، لِأَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَةَ الْخَمْرِ كَفَرَ. وَمَنْ شَرِبَهَا وَلَمْ يَعْتَقِدْ إِبَاحَتَهَا لَمْ يَكْفُرْ. فَلَمَّا لَمْ يَفْسُقْ مَنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَةَ النَّبِيذِ وَشُرْبِهِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَفْسُقَ مَنْ شَرِبَهُ وَلَا يَعْتَقِدُ إِبَاحَتَهُ.
( [الْقَوْلُ فِي الْأَشْرِبَةِ الَّتِي لَا تُسْكِرُ وَشَهَادَةِ شَارِبِهَا] )
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا مَا لَا يُسْكَرُ مِنَ الْأَنْبِذَةِ وَالْأَشْرِبَةِ كَالْفُقَاعِ وَالْقَارِصِ فَمُبَاحٌ لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ.