لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ نَقْصٌ فَإِذَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَفِي هَذَا الْخِيَارِ وَجْهَانِ كَمَا قُلْنَا فِي الْخِيَارِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُمْتَدٌّ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ فَسَخَ اسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ وَإِنْ أَقَامَ لَزِمَهُ الصَّبْرُ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ قَبْلَهُ.
فَإِنْ جَاءَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ وَالثَّمَرَةُ أَيْضًا مَعْدُومَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا بِعَدَمِ الثَّمَرَةِ فِي الْعَامِ الثَّانِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَاسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ أَوِ الْمَقَامِ إِلَى الْعَامِ الثَّالِثِ ثُمَّ هَكَذَا فِي كُلِّ عَامٍ ثَانٍ فَلَوْ لَمْ تَكُنِ الثَّمَرَةُ مَعْدُومَةً وَلَكِنْ عَزَّتْ وَغَلَتْ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ قول واحد يُؤْخَذُ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ بِدَفْعٍ ذَلِكَ مَعَ عِزَّتِهِ وَغُلُوِّ سِعْرِهِ فَإِنْ ضَاقَ بِهِ أَوْ أَعْسَرَ عَنْهُ صَارَ كَالْمُفْلِسِ فَيَكُونُ لِلْمُسَلِّمِ الْخِيَارُ.
فَصْلٌ:
وأما إِنْ وُجِدَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ الَّتِي أَسْلَمَ فِيهَا وَعَدِمَ بَاقِيهَا لِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ حَتَّى نَفَذَتْ أَوْ لجائحة حدثت فالمسلم فِي الْمَعْدُومِ الْبَاقِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: جَائِزٌ فَعَلَى هَذَا هُوَ فِي الْمَوْجُودِ أَجْوَزُ:
وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ فَعَلَى هَذَا إِنْ قِيلَ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَانَ السَّلَمُ فِي الْمَوْجُودِ وَإِنْ قِيلَ إِنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لَا يَجُوزُ فَهَذَا فَسَادٌ طَرَأَ عَلَى بَعْضِ الصَّفْقَةِ مَعَ تَقَدُّمِهِ صِحَّتُهَا فَيَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ المروزي أن مَا طَرَأَ عَلَى الصَّفْقَةِ مِنَ الْفَسَادِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَ لِفَسَادِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ فَيُجْعَلُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ بَاطِلًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْفَسَادُ الطَّارِئُ عَلَى الصَّفْقَةِ لِمَعْنَى حَادِثٍ لَمْ يَبْطُلِ الْبَاقِي مِنْهَا فَيَكُونُ الْعَقْدُ فِي الْمَوْجُودِ جَائِزًا وَفِي الْمَعْدُومِ بَاطِلًا فَيَخْرُجُ السَّلَمُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ فِي الْكُلِّ بَاطِلٌ وَيَسْتَرْجِعُ الْمُسَلِّمُ الثَّمَنَ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: السَّلَمُ فِي الْمَوْجُودِ جَائِزٌ وَفِي الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ وَلِلْمُسَلِّمِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَاسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ أَوِ الْمَقَامِ عَلَى الْمَوْجُودِ بِحِسَابِهِ مِنَ الثَّمَنِ وَقِسْطِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا خِيَارَ لِلْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ السَّلَمَ فِي الْكُلِّ جَائِزٌ فَيَكُونُ الْمُسَلَّمُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ فِي الْجَمِيعِ وَيَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ وبين أن يقيم على العقد وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ إِذَا مَنَعَ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.