للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَلْ يَكُونُ مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ مُعَاوَدَةُ الْقِتَالِ اسْتِدْرَاكًا لِتَفْرِيطِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أن من شرط صحتها ومعاودة الْقِتَالِ اسْتِدْرَاكًا لِتَفْرِيطِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ مِنْ صِحَّتِهَا الْعَوْدُ وَلَكِنْ يَنْوِي أَنَّهُ مَتَى عَادَ لَمْ يَنْهَزِمْ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فُرْسَانًا وَالْمُشْرِكُونَ رَجَّالَةً، فِي جَوَازِ انْهِزَامِهِمْ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ، أَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ رَجَّالَةً وَالْمُشْرِكُونَ فُرْسَانًا فِي تَحْرِيمِ انْهِزَامِهِمْ مِنْ مِثْلِ عَدَدِهِمْ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِذَا لَقِيَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنْ طَلَبَاهُ وَلَمْ يَطْلُبْهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْهَزِمَ عَنْهُمَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَهِّبٍ لِقِتَالِهِمَا، وَإِنْ طَلَبَهُمَا وَلَمْ يَطْلُبَاهُ فَفِي جَوَازِ انْهِزَامِهِ عَنْهُمَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَنْهَزِمَ عَنْهُمَا بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ فِي الْجَمَاعَةِ دُونَ الِانْفِرَادِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَزِمَ عَنْهُمَا إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ كَالْجَمَاعَةِ، لِأَنَّ طَلَبَهُ لَهُمَا قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ.

(فَصْلٌ)

فَإِنْ تَحَقَّقَتِ الْجَمَاعَةُ الْمُقَاتِلَةُ لِمِثْلَيْ عَدُوِّهِمْ أَنَّهُمْ إِنْ صَابَرُوهُمْ هَلَكُوا، فَفِي جَوَازِ هَزِيمَتِهِمْ مِنْهُمْ غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إِلَى فِئَةٍ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَنْهَزِمُوا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَنْهَزِمُوا، لِأَنَّ فِي التَّعَرُّضِ لِلْجِهَادِ أَنْ يكون قاتلا أو مقتولا، ولأنهم يَقْدِرُونَ عَلَى اسْتِدْرَاكِ الْمَأْثَمِ فِي هَزِيمَتِهِمْ أَنْ ينووا التحرف لقتال، أوالتحيز إلى فئة، والله أعلم.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَنَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ مَنْجَنِيقًا أَوْ عَرَادَةً وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمُ النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ وَقَطَعَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهَا وَشَنَّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِّينَ وَأَمَرَ بِالْبَيَاتِ وَالتَّحْرِيقِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ، وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ بِكُلِّ مَا عَلِمَ أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الظَّفَرِ بِهِمْ مِنْ نَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ وَالْعَرَادَةِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الطَّائِفِ حِينَ حَاصَرَهَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ مَنْجَنِيقًا أَوْ عَرَادَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَشُنَّ عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ وَهُمْ غَارُّونَ لَا يَعْلَمُونَ، قَدْ شَنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِّينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِمُ الْبَيَاتَ لَيْلًا، وَيَحْرِقَ عَلَيْهِمْ دِيَارَهُمْ ويلقي عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>