وَالثَّانِي: أَنْ يُخَافَ تَلَفُهَا فَيُقَرُّ لِحُرْمَةِ نَفْسِهَا الَّتِي لَا يَجُوزُ انْتِهَاكُهَا بِتَعَدِّي مَالِكِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا كَالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ فَإِنْ أُمِنَ تَلَفُهَا بِنَزْعِهِ نُزِعَ وَإِنْ خِيفَ تَلَفُهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ الرَّبِيعُ تُذْبَحُ لِيُنْزَعَ الْخَيْطُ مِنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ يُوصَلُ إِلَى أَخْذِهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ وَحَرْمَلَةُ أَنَّهُ يُقَرُّ الْخَيْطُ وَلَا يُنْزَعُ وَيُؤْخَذُ الْغَاصِبُ بِقِيمَتِهِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن ذبح البهائم إلا لمالكةٍ وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ ذَبَحَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهَا حُوسِبَ بِهَا قبل وَمَا حَقُّهَا قَالَ أَنْ يَذْبَحهَا لِغَيْرِ مأكلةٍ
فَصْلٌ
: وَإِذَا مَرَّتْ بَهِيمَةُ رَجُلٍ فِي سُوقٍ فَابْتَلَعَتْ جَوْهَرَةَ رَجُلٍ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْبَهِيمَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَالِكُهَا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لِمَا جَنَتْهُ فَلَوْ سَأَلَهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِيعَ الْبَهِيمَةِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهَا إِلَى أَخْذِ الْجَوْهَرَةِ أَوْ يَصِيرَا مَعًا في ملكه فلم يُجْبَرِ الْمَالِكُ عَلَى الْبَيْعِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَوْهَرَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبَهِيمَةِ أُجْبِرَ صَاحِبُهَا عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَوْهَرَةِ أَقَلَّ لَمْ يُجْبَرْ وَهَذَا فاسداً اسْتِدْلَالًا بِقِيَاسَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا لَا يُسْتَحَقُّ تَمَلُّكُهُ بِاسْتِهْلَاكِ الْأَقَلِّ لَمْ يُسْتَحَقَّ تَمَلُّكُهُ بِاسْتِهْلَاكِ الْأَكْثَرِ قِيَاسًا عَلَى كَسْرِهَا إِنَاءً أَوْ أَكْلِهَا طعام.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَا يُسْتَحَقُّ تَمَلُّكُهُ مَعَ تَلَفِ الشَّيْءِ لَمْ يُسْتَحَقَّ تَمَلُّكُهُ مَعَ بَقَائِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا قِيمَتُهُ أَقَلُّ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَهَا كَانَ ضَامِنًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَتِ الْبَهِيمَةُ شَاةً أَوْ بَعِيرًا، وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنْ كَانَتِ الْبَهِيمَةُ بَعِيرًا ضَمِنَ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً لَمْ يَضْمَنْ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْبَعِيرِ النُّفُورُ فَلَزِمَ مَنْعُهُ وَمُرَاعَاتُهُ وَالْعُرْفَ فِي الشَّاةِ السُّكُونُ فَلَمْ يَلْزَمْ مَنْعُهَا وَمُرَاعَاتُهَا، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ سُقُوطَ مُرَاعَاةِ الشَّاةِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْهَا الْسلَامَةُ فَإِنْ أَفَضَتْ إِلَى غَيْرِ السَّلَامَةِ لَزِمَ الضَّمَانُ كَمَا أُبِيحَ لِلرَّجُلِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ وَلِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصَّبِيِّ لِأَنَّ عَاقِبَتَهُ السَّلَامَةُ فَإِنْ أَفْضَى الضَّرْبُ بِهَا إِلَى التَّلَفِ ضَمِنَا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ نُظِرَ فِي الْبَهِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ لَزِمَهُ غُرْمُ الْقِيمَةِ لِتَحْرِيمِ ذَبْحِهَا وَتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً فَعَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تذبح علي وَتُؤْخَذُ الْجَوْهَرَةُ مِنْ جَوْفِهَا.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَةُ الْجَوْهَرَةِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَتِ الْبَهِيمَةُ أَوْ ذَبَحَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute