امرء مَا أَصَابَ، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ " فَقَالَ عُمَيْرُ بن حمام، وفي يده ثمرات يَأْكُلُهُنَّ: بَخٍ بَخٍ، مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ، ثم قذف الثمرات مِنْ يَدِهِ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ:
(رَكْضًا إِلَى اللَّهِ بِغَيْرِ زَادِ ... إِلَّا التُّقَى وَعَمَلِ الْمَعَادِ)
(وَالصَّبرِ فِي الله على الجهاد ... وكل زاد عرضة النقاد)
(غير التقى والبر والرشاد ... )
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَتُقَسَّمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ دُونَ مَنْ بَعْدَهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا: " الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْغَنِيمَةِ خُمْسُهَا، وَرَضَخَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فِيهَا كَانَ بَاقِيهَا لِلْغَانِمِينَ الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ يَشْتَرِكُ فِيهَا مَنْ قَاتَلَ وَمِنْ لَمِ يُقَاتِلْ، لِأَنَّهُ كَانَ رَدًّا لِلْمُقَاتِلِ قال الله تعالى: {واعلموا أن ما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: ٤١] فَلَمَّا أَضَافَ الْغَنِيمَةَ إِلَيْهِمْ وَاسْتَثْنَى خُمْسَهَا مِنْهُمْ دَلَّ عَلَى أَنَّ بَاقِيهَا لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] فَكَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثِ لِلْأَبِ، فَإِنْ لَحِقَ بِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مَدَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَوْنًا لَهُمْ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَلْحَقُوا بِهِمْ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَانْكِشَافِهَا، فَالْمَدَدُ يُشْرِكُهُمْ فِي غَنِيمَتِهَا إِذَا شَهِدُوا بَقِيَّةَ حَرْبِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَلْحَقُوا بِهِمْ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَإِجَازَةِ غَنَائِمِهَا فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي غَنِيمَتِهَا سَوَاءٌ أَدْرَكُوهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَلْحَقُوا بِهِمْ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَإِجَازَةِ غَنَائِمِهَا، فَشَهِدُوا مَعَهُمْ إِجَازَتَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُشَارِكُونَهُمْ فِيهَا.
وَالثَّانِي: لَا يُشَارِكُونَهُمْ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا تُمَلَّكُ بِهِ الْغَنِيمَةُ بَعْدَ إِجَازَتِهَا، فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ: إِنَّهَا تُمَلَّكُ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ فَعَلَى هَذَا لَا حَقَّ لِلْمَدَدِ فِيهَا.
وَالْقَوْلُ الثاني: إنهم ملكوا بِالْحُضُورِ أَنْ يَتَمَلَّكُوهَا بِالْإِجَازَةِ، فَعَلَى هَذَا يُشَارِكُهُمُ الْمَدَدُ فِيهَا وَيَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَدَدُ اللَّاحِقُ بِهِمْ بَعْدَ الْوَقْعَةِ وَإِجَازَةِ الْغَنَائِمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.