للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَيِّدِهِ، أُحْلِفَ لَهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا صَغِيرًا فَاسْتَخْدَمَهُ الْوَاجِدُ، وَلَمْ يَدَّعِ فِي الْحَالِ رِقَّهُ حَتَّى بَلَغَ، ثُمَّ ادَّعَى رِقَّهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، يُحْكَمُ لَهُ بِرِقِّهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَا بِيَدِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ دَعْوَاهُ إِذَا تَأَخَّرَتْ عَنِ الصِّغَرِ، صَارَتْ مُسْتَأْنَفَةً عَلَيْهِ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَدَعَوَاهُ بَعْدَ الْكِبَرِ لَا تُقْبَلُ، إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدِي.

(فَصْلٌ)

: وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُدَّعِي رَقَّهِ مُرَاهِقًا مُمَيِّزًا، وَلَيْسَ بِبَالِغٍ فَفِي ثُبُوتِ رِقِّهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ لَهُ بِرِقِّهِ عَبْدًا لَهُ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إِنْكَارُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَلَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِحُرِّيَّتِهِ، لِأَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي ارْتِفَاعِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ بِرِقِّهِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِقْرَارِهِ، وَإِنْكَارِهِ فَإِذَا اعْتَرَفَ لَهُ بِالرِّقِّ، حُكِمَ لَهُ بِعُبُودِيَّتِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الرِّقَّ حُكِمَ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَا يُحْلَفُ عَلَى إِنْكَارِهِ، إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَلَا يَمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ لِقَوْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ حُكْمٌ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ قَلَمٌ، كَمَا يُخَيَّرُ قَبْلَ الْبُلُوغِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، وَيَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ، وَيُسْمَعْ خَبَرُهُ فِي الْمُرَاسَلَاتِ، وَالْمُعَامَلَاتِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ فِي صِحَّةِ إِسْلَامِهِ بَعْدَ مُرَاهَقَتِهِ، وَقَبْلَ بُلُوغِهِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ هَاهُنَا فِي قَوْلِهِ: " إِذَا كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْمُرَاهَقَةِ وَالتَّمْيِيزِ أَنْ يُعْتَبَرَ إِقْرَارُهُ وَإِنْكَارُهُ، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ مَنْ قَالَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ مِمَّنْ لا حكم لكلامه.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنَهُ جَعَلْتُهُ ابْنَهُ وَهُوَ فِي يَدَيِ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَعْنِي الصَّغِيرَ إِذَا ادَّعَاهُ رَجُلٌ عَبْدًا، وَحُكِمَ لَهُ بِرِقِّهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، ثُمَّ ادَّعَاهُ رَجُلٌ آخَرُ وَلَدًا، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ وَلَدُهُ صَارَ ابْنًا لَهُ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ رِقٌّ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ زَيْدٍ عَبْدًا لِعَمْرٍو، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وُلِدَ لَهُ مِنْ أَمَةٍ تَزَوَّجَهَا، فَيَكُونُ لَهُ ابْنًا، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ الْأُمِّ فَلَمْ يَتَنَافَى لُحُوقُ نَسَبِهِ، وَثُبُوتُ رِقِّهِ، إِلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي لِنَسَبِهِ، أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ مِنْ حُرَّةٍ تَزَوَّجَهَا، أَوْ مِنْ أَمَةٍ مَلِكَهَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُولَدَ الْحُرُّ مِنَ الْحُرَّةِ إِلَّا حُرًّا، وَمِنْ أَمَتِهِ إِلَّا حُرًّا، وَلَوْ كَانَ مُدَّعِي أُبُوَّتِهِ لَمْ يُقِمُ الْبَيِّنَةَ بِهَا فَصَدَّقَهُ الْوَلَدُ عَلَيْهَا فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِتَصْدِيقِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى رِقِّهِ لِمُدَّعِي عُبُودِيَّتِهِ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي نَسَبِ الْعَبْدِ فَنَفَذَ فِيهِ إِقْرَارُ الْعَبْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>