وَلِأَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ إِذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ مِنْهَا وَإِنْ نَقَصَ عَنِ الدِّرْهَمِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ مِنْ أَعْضَاءِ الْحَدَثِ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ بِمَائِعٍ أُقِيمَ فِيهَا الْجَامِدُ مَقَامَهُ فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً كَالتَّيَمُّمِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ من وجهين:
أحدها: أَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ لَا عَائِدٌ إِلَى الْإِيتَارِ فَإِذَا تَرَكَهُ إِلَى الشَّفْعِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى تَرْكِ الْأَحْجَارِ إِلَى الْمَاءِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ فَمُنْتَقِضٌ عَلَى أَصْلِهِمْ بِالْمَنِيِّ يَجِبُ عِنْدَهُمْ إِزَالَةُ عَيْنِهِ دُونَ أَصْلِهِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ لُحُوقُ الْمَشَقَّةِ فِي إِزَالَتِهِ وَكَذَلِكَ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْأَثَرِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يَشُقُّ إِزَالَتُهُ بِالْحَجَرِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْخَارِجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ وَهُوَ الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ وَكُلُّ ذِي بَلَلٍ خرج من السبيلين.
وقسم لا يجوب الِاسْتِنْجَاءَ وَهُوَ الصَّوْتُ وَالرِّيحُ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ النَّجَسِ، وَالصَّوْتُ وَالرِّيحُ لَا يُنَجِّسُ مَا لَاقَاهُ فَلَمْ يَجِبِ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُنَجِّسِ الثَّوْبَ فَلَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ مِنْهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ وَهُوَ مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ مِنَ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا بَلَلَ مَعَهَا كَالدُّودِ وَالْحَصَى إِذَا خَرَجَا يَابِسَيْنِ، فَفِي وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ لِعَدَمِ الْبَلَلِ كَالصَّوْتِ وَالرِّيحِ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ لِوُجُودِ الْعَيْنِ كَالْغَائِطِ والبول.
(فَصْلٌ)
: وَمَا أَوْجَبَ الِاسْتِنْجَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَادِرٌ وَمُعْتَادٌ، فَالْمُعْتَادُ كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ بَيْنَ الْأَحْجَارِ وَالْمَاءِ، وَالنَّادِرُ كَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَدَمِ النَّاصُورِ، وَالْقَيْحِ. فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْأَحْجَارِ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى الْمُعْتَادِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا الْمَاءُ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ بِنَضْحِ الْمَاءِ عَلَى الْمَذْيِ، وَلِأَنَّهُ نَادِرٌ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ غَالِبًا فِي مَحَلِّهِ فَأَشْبَهَ نَجَاسَةَ الْبَدَنِ، فَأَمَّا دَمُ الْحَيْضِ فَمُعْتَادٌ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فَنَادِرٌ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَحْجَارِ وَالْمَاءِ فَإِنِ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ، رَوَى عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَخَلَ حَائِطًا فَقَضَى حَاجَتَهُ وَخَرَجَ عَلَيْنَا