والوجه الثاني: حكي عن أبي إسحاق المروزي وأبو الحسن بْنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرِثُهُ مِيرَاثَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ، وَالْحَمْلُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَيَّهُمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُلَاعِنُ تَبِعَهُ الْآخَرُ فِي اللُّحُوقِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ؛ لِأَنَّهُ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَكَانَ أَوْلَى مِنَ المولى وَبَيْتِ الْمَالِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فِي نَفْيِهِ عَنِ الزَّانِي ولحوقه بالأم وعلى مَا مَضَى مِنَ الِاخْتِلَافِ هَلْ تَصِيرُ الْأُمُّ وَعَصَبَتُهَا عَصَبَةً لَهُ أَمْ لَا؟ غَيْرَ أَنَّ تَوْأَمَ الزَّانِيَةِ لَا يَرِثُ إِلَّا مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَوِفَاقِ مَالِكٍ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَوْأَمِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنِ ادَّعَى الزَّانِي الْوَلَدَ الَّذِي وَلَّدَتْهُ الزَّانِيَةُ مِنْهُ، فَلَوْ كَانَتِ الزَّانِيَةُ فِرَاشًا لِرَجُلٍ كَانَ الْوَلَدُ فِي الظَّاهِرِ لَاحِقًا بِمَنْ لَهُ الْفِرَاشُ، وَلَا يَلْحَقُ بِالزَّانِي لِادِّعَائِهِ له لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ".
فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الزانية خلية وليست فراشا لأحد يلحقها ولدها فمذهب الشافعي أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالزَّانِي، وَإِنِ ادَّعَاهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إِذَا ادَّعَاهُ بعد قيام البنية وبه قال ابن سيرين وإسحاق ابن رَاهَوَيْهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إِذَا ادعاه بعد الحد ويلحقه إذا ملك الموطوة وَإِنْ لَمْ يَدِّعِهِ وَقَالَ أبو حنيفة إِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا وَلَوْ بِيَوْمٍ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، ثُمَّ اسْتَدَلُّوا جَمِيعًا مَعَ اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْبَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَعْنَى يَلِيطُ أَيْ يلحق.
قالوا: ولأن لَمَّا كَانَ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ عَنِ الْوَاطِئِ بِاللِّعَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ لُحُوقِهِ بِهِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ فكذلك وَلَدُ الزِّنَا، وَهَذَا خَطَأٌ فَاسِدٌ لِمَا رَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَذْكُرَ فأتاه رجل فقال يا رسول الله إني عَاهَرْتُ بأمه فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا اعْتِهَارَ فِي الْإِسْلَامِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَأَيُّمَا رَجُلٍ عَاهَرَ بِأَمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا أَوِ امْرَأَةٍ لا يملكها فَادَّعَى الْوَلَدَ فَلَيْسَ بِوَلَدِهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَوْ لَحِقَ بِادِّعَاءِ الزاني إياه لَلَحِقَ بِهِ إِذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا، وَإِنْ لَمْ يدعيه كولد الموطؤة يشبه في إِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالزِّنَا دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ ادِّعَائِهِ لَهُ ولأنه لو لحق بِالِاعْتِرَافِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَافَ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اعْتَرَفَ بِهِ لَمْ يَلْحَقْهُ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْبَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ أَنَّ ذلك منه فِي عِهَارِ الْبَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ عِهَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute