حَقٌّ عَلَى غَرِيمٍ جَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ هَلْ يَجُوزُ إِذَا قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ أَمْ يَأْتِي الْحَاكِمَ حَتَّى يَبِيعَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. كَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ لِأَنَّ العادم للبينة عند الحاكم كالعادم للحاكم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْعَدْلِ جَازَ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَفْسَخَا أَوْ أَحَدُهُمَا وِكَالَتَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا شَرَطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَشَرَطَا لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ مَحَلِّ الْحَقِّ، فَهَذَا الْعَقْدُ قَدْ تَضَمَّنَ شَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَضْعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: تَوْكِيلُ الْعَدْلِ فِي بَيْعِهِ عِنْدَ مَحَلِّ الْعَقْدِ. فَهَذَانِ الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ إِلَّا أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ وَهُوَ وَضْعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ.
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ تَوْكِيلُ الْعَدْلِ فِي بَيْعِهِ عِنْدَ مَحَلِّ الْحَقِّ فَلَا يَتِمُّ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ تَوْكِيلٍ فِيمَا بَعْدُ. فَإِذَا سَلَّمَا الرَّهْنَ إِلَى الْعَدْلِ وَوَكَّلَاهُ فِي بَيْعِهِ عِنْدَ مَحَلِّ الْحَقِّ فَقَدْ تَمَّ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا وَيَكُونُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا لَازِمًا وَالثَّانِي مِنْهُمَا جَائِزًا لِأَنَّ الْوِكَالَةَ جَائِزَةٌ وَلَيْسَتْ لَازِمَةً.
فَإِنْ قِيلَ فَهَذِهِ وِكَالَةٌ مَعْقُودَةٌ بِصِفَةٍ وَهِيَ مَحَلُّ الْحَقِّ وَالْعُقُودِ لَا يَصِحُّ أَنْ تُعَلَّقَ بِالصِّفَاتِ قِيلَ الْوِكَالَةُ مُنْجَزَةٌ غَيْرُ مُعَلَّقَةٍ بِصِفَةٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّصَرُّفُ فِيهَا مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ وَهَذَا جَائِزٌ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّهُ وَكَّلَ رَجُلًا فِي بَيْعِ مَتَاعِهِ وَأَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ عِنْدَ مَجِيءِ الْحَاجِّ أَوْ عِنْدَ اسْتِهْلَالِ الشَّهْرِ جَازَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوِكَالَةِ مُنْجَزٌ وَالْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ مُعَلَّقٌ بِالصِّفَةِ، فَصَحَّ كَذَلِكَ تَوْكِيلُ الْعَدْلِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ.
وَلَكِنْ لَوْ قَالَا لِلْعَدْلِ قَدْ وَكَّلْنَاكَ فِي بَيْعِهِ عِنْدَ مَحَلِّ الْحَقِّ وَجَعَلَا الصِّفَةَ شَرْطًا فِي عَقْدِ الْوِكَالَةِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ الْوِكَالَةِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَلَا يَخْلُو حَالُ الرَّاهِنِ والمرتهن من أربعة أحوال:
أحدهما: أَنْ يُقِيمَا عَلَى الْوِكَالَةِ إِلَى حُلُولِ الْحَقِّ. فَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا مَنْعٌ لِصِحَّةِ وِكَالَتِهِ فِي الْبَيْعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُهُمَا عِنْدَ الْبَيْعِ كسائر الوكلاء.