أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ لَا يَلْتَعِنُ مِنْهُ مَعَ الْوَلَدِ كَمَا لَا يَلْتَعِنُ مِنْهُ مَعَ عَدَمِهِ، فَعَلَى هَذَا يُحَدُّ لِلْقَذْفَيْنِ حَدًّا وَاحِدًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنَ مِنْهُ مَعَ عَدَمِهِ لِلضَّرُورَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ وَيُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْحَدِّ وَاللِّعَانِ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يُسْقِطُ حَدَّ قَذْفٍ قَبْلَ الزَّوْجِيَّةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ الثَّانِي بِزِنَاءٍ ثَانٍ بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ، فَيَصِيرُ قَاذِفًا لَهَا بِزِنَائَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَبْلَ الزَّوْجِيَّةِ يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَا يُسْقِطُ اللِّعَانَ.
وَالثَّانِي: فِي الزَّوْجِيَّةِ يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُسْقِطُ اللِّعَانَ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْقَذْفَيْنِ وَجَبَ أَنْ يُجْمَعَ عَلَيْهِ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ، وَخَالَفَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَذْفَيِ الْأَجْنَبِيِّ، حَيْثُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِمَا إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ قَذْفَيِ الْأَجْنَبِيَّةِ مُتَّفِقَا الْحُكْمِ فَتَدَاخَلَا، وَقَذْفَا الزَّوْجِيَّةِ مُخْتَلِفَا الْحُكْمِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: وَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدَّيْنِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا وَإِنْ تَجَانَسَا وَجَبَ إِذَا زَنَى وَهُوَ بِكْرٌ فَلَمْ يحد حتى زنى بعد إحصائه أَنْ يُحَدَّ حَدَّيْنِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا وَإِنْ تَجَانَسَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ الْأَوَّلَ جَلْدٌ، وَالثَّانِيَ رَجْمٌ، فَيُجْلَدُ ويرجم، وهذا غلط لأن حد الزنى مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَجَازَ أَنْ يَدْخُلَ أَخَفُّهُمَا فِي أَغْلَظِهِمَا عِنْدَ التَّجَانُسِ كَمَا يَدْخُلُ الْحَدَثُ فِي الْجَنَابَةِ، وَلَمْ يَجُزْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْقَذْفَيْنِ حَدَّيْنِ يُلَاعِنُ فِي الثَّانِي مِنْهُمَا وَلَا يُلَاعِنُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ [مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ:
أَحَدُهَا: أَنْ تُقَدِّمَ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ، فَيُحَدُّ لَهَا فِي وَقْتِهِ، فَإِذَا طالبته] بعده بالقذف الثاني نظر فإن قدمت المطالبة بالقذف الأول فإن لاعن منه الْتَعَنَ لِوَقْتِهِ وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ حُدَّ لِلثَّانِي بَعْدَ أَنْ يَبْرَأَ جِلْدُهُ مِنَ الْأَوَّلِ، لِئَلَّا يُوَالَى عَلَيْهِ بَيْنَ حَدَّيْنِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تُقَدِّمَ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَذْفِ الثَّانِي، فَإِنِ الْتَعَنَ مِنْهُ حُدَّ بَعْدَهُ لِلْقَذْفِ الْأَوَّلِ إِذَا طَالَبَتْهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ لَهُ، وَوَقَفَ حَدُّهُ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ وَلَا يَكُونُ لِعَانُهُ كَالْبَيِّنَةِ فِي سُقُوطِ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ كَانَ كَالْبَيِّنَةِ فِي سُقُوطِ قَذْفٍ مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ اللِّعَانِ مُسْتَقِرٌّ وَمَا بَعْدَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَطْلُبَهُمَا وَلَا تُقَدِّمَ أَحَدَهُمَا، فَيُقَالُ لَهَا: الْحَقُّ فِي الْقَذْفِ الثَّانِي