رَدِّهِ وَكَمَا يَجُوزُ لِمَنِ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا ثَانِيَةً وَإِنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ لغيره ذكرنَا فَأَمَّا بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ تَحُولُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فَكَانَ الْبَيْعُ باطلا كالمغصوب.
والثاني: أنه يصير مستثنا لِمَنَافِعِ مَا بَاعَهُ وَلَوِ اسْتَثْنَى مَنَافِعَ مَا باعه شَهْرًا بِالشَّرْطِ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُسْتَثْنِيًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ بِالشَّرْطِ أَوْ بِالْعَقْدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ دُونَ الرَّقَبَةِ وَعَقْدَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الرَّقَبَةَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْبَيْعِ وَاقِعًا عَلَى رَقَبَةٍ مُسْتَحِقَّةِ الْمَنْفَعَةِ كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُ النَّخْلِ إِذَا كَانَتْ عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةَ الْمَنَافِعِ جَازَ بَيْعُ الدَّارِ إِذَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةَ الْمَنْفَعَةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ مَعْلُومَةٌ وَمُدَّةُ بَقَاءِ الثَّمَرَةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ.
(فَصْلٌ)
فإذا تقرر وجود الْقَوْلَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فَالْمُشْتَرِي إِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُقَامِ أَوِ الْفَسْخِ وَعَلَيْهِ إِنْ أَقَامَ تَمْكِينُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْهَا إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ رُدَّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَكَانَتِ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إِجَارَتِهِ بِيعَتْ فِي حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ، وَلَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَزِمَتِ الْإِجَارَةُ فِيمَا مَضَى عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ - وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ بِقِسْطِهِ وَبَطَلَتِ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ وَاسْتَرْجَعَ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ مَالُ الْمُفْلِسِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ شَارَكَهُمْ فِيهِ وَضَرَبَ مَعَهُمْ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنَ الْأُجْرَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ - أَعْنِي: انْهِدَامَ الدَّارِ - بَعْدَ قِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقِسْمَةَ مَاضِيَةٌ وَيَكُونُ مَا اسْتَحَقَّهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ أُجْرَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ عَلَى مَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ بَعْدِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ لِيَضْرِبَ الْمُسْتَأْجِرُ بِبَاقِي أُجْرَتِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ كَمَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ إِذَا ظَهَرَ لَهُ غَرِيمٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ رُجُوعَهُ بِبَاقِي الْأُجْرَةِ إِنَّمَا هُوَ