للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صِفَةٍ كَانَ زَوَالُ ذَلِكَ الْعُذْرِ مَانِعًا مِنْ إِجْزِائِهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، كَالْمَرِيضِ إِذَا صَحَّ، وَالْأُمِّيِّ إِذَا تَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ، وَالْعُرْيَانِ إِذَا وَجَدَ ثَوْبًا، وَاسْتَدَلَّ الْمُزَنِيُّ بِدَلِيلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي الطَّهَارَةِ بَدَلٌ مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ فَقْدِهِ كَمَا أَنَّ الشُّهُورَ فِي الْعِدَّةِ بَدَلٌ مِنَ الْأَقْرَاءِ عِنْدَ فَقْدِ الْحَيْضِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَشْهُرِ إِذَا رَأَتِ الْحَيْضَ لَزِمَهَا الِانْتِقَالُ إِلَى الْأَقْرَاءِ، وَجَبَ إِذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ حَدَثٌ اسْتِشْهَادًا بِأَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ تَيَمَّمَ أَحَدُهُمَا، وَتَوَضَّأَ الْآخَرُ ثُمَّ أَحْدَثَ المتوضي وَوَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ كَانَ طُهْرُهُمَا مُنْتَقَضًا، وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لَهُمَا لَازِمًا، وَإِذَا كَانَ بِمَا دَلَّ الشَّاهِدُ عَلَيْهِ حَدَثًا، كَانَ حُكْمُهُ فِي الصَّلَاةِ وَقَبْلَهَا سَوَاءً.

(فَصْلٌ)

: وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) {المائدة: ٦) . إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} . فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْهَا هُوَ أَنَّهُ أَمَرَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَوْ لَمْ يَجِدْ فِيهَا الْمَاءَ لَتَيَمَّمَ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْأَمْرِ بِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الْأَمْرِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَوْ رَأَى فِيهَا سُؤْرَ الْحِمَارِ لَمْ تَبْطُلْ وَجَبَ إِذَا رَأَى فِيهَا الْمَاءَ الْمُطْلَقَ أَنْ لَا تَبْطُلَ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ طَرْدًا وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ النَّجَاسَةُ عَكْسًا، وَلِأَنَّهُ مَاءٌ لَوْ وَجَدَهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ لَمْ تَبْطُلْ فَإِذَا وَجَدَهَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ لَمْ تَبْطُلْ، كَسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَلِأَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِطُهُورٍ فَوَجَبَ أن لا يبطل برؤية الطهور، كالمتوضي إِذَا رَأَى الْمَاءَ أَوِ التُّرَابَ، وَالْمُتَيَمِّمُ إِذَا رَأَى التُّرَابَ، وَلِأَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ لِعَجْزِهِ عَنِ الْمَاءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْطُلَ تَيَمُّمُهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، كَالْمَرِيضِ إِذَا صَحَّ فِي تَضَاعِيفِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ لَوِ اتَّصَلَ عَدَمُهُ إِلَى الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ لَخَلَتِ الذِّمَّةُ عَنْ وُجُوبِهَا بِأَدَائِهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَبْطُلَ الصَّلَاةُ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي تَضَاعِيفِهَا كَالْعُرْيَانِ إِذَا وَجَدَ ثُوبًا، وَلِأَنَّ كُلَّ بَدَلٍ وَمُبْدَلٍ وُصِفَا فِي الشَّرْعِ لِاسْتِبَاحَةِ غَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْمُبْدَلِ بَعْدَ اسْتِبَاحَةِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ سَقَطَ حُكْمُهُ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالشُّهُورِ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَكَذَا الْمُتَيَمِّمُ إِذَا رَأَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَصَّلُ إِلَى الْوُضُوءِ بِثَمَنِ الْمَاءِ، كَمَا يَتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِالْمَاءِ، فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِوُجُودِ الثَّمَنِ بَعْدَ عَدَمِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِوُجُودِ الْمَاءِ بَعْدَ عَدَمِهِ وَتَحْرِيرُهُ، قِيَاسًا عَلَى أَنَّ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْوُضُوءِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُهُ فِي الصَّلَاةِ، كَالثَّمَنِ، وَلِأَنَّ كُلَّ حَالَةٍ لَا يَلْزَمُهُ التَّوَصُّلُ إِلَى الْأَصْلِ لِوُجُودِ ثَمَنِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَصْلِ بِوُجُودِ عَيْنِهِ، كَالْمُكَفِّرِ إِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ صَوْمِهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا طَلَبُ الْمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ، قِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>