يَسْتَمِرَّ فَهُوَ غَيْرُ مَخُوفٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ من غلبة الدم زيادته فبطلت من منافذ الجسد ما يخرج منه وَإِنْ كَثُرَ وَاسْتَمَرَّ فَهُوَ مَخُوفٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْزِفُ دَمَهُ، وَالدَّمُ هُوَ قِوَامُ الرُّوحِ وَمَادَّةُ الحياة.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وإن سهل بطنه يوما أو اثنين وتأتى منهُ الدَّمُ عِنْدَ الْخَلَاءِ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا فَإِنِ اسْتَمَرَّ بِهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ حَتَى يعجلَهُ أو يمنعه النوم أو يكون البطن متحرقا فهو مخوف فإن لم يكن متحرقا وَمَعَهُ زَحِيرٌ أَوْ تَقْطِيعٌ فَهُوَ مَخُوفٌ ".
قَالَ الماوردي: أما سهل البطن، يوم أو يومين، إذا لم يكن البطن متحرقا وَلَا وَجَدَ مَعَهُ وَجَعًا، لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ فَضْلَةٍ فِي غِذَاءٍ أَوْ خَلْطٍ فِي بَدَنٍ، وَلِأَنَّ الصَّحِيحَ، قَدْ يَقْصِدُ إِسْهَالَ بَطْنِهِ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ وَالْمَطْبُوخِ، لِإِخْرَاجِ الْخَلْطِ الْفَاسِدِ، فَمَا أَجَابَ بِهِ الطَّبْعُ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ أَدَلُّ عَلَى الصِّحَّةِ.
فَأَمَّا إِنِ اسْتَدَامَ بِهِ الْإِسْهَالُ صَارَ مَخُوفًا لِأَنَّهُ تَضْعُفُ مَعَهُ الْقُوَّةُ وَلَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْغِذَاءُ.
وَلَوْ لَمْ يَتَطَاوَلْ وَكَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَكِنْ كان البطن متخرقا بعجلة فَلَا يَقْدِرُ عَلَى حَبْسِهِ كَانَ مَخُوفًا، وَهَكَذَا لو لم يكن متخرقا لكن كان معه زخير وَتَقْطِيعُ دَمٍ، أَوْ أَلَمٌ يَمْنَعْهُ مِنَ النَّوْمِ فَهُوَ مَخُوفٌ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْيَوْمِ أَوِ الْيَوْمَيْنِ دَمٌ فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيُّ في مختصره هذا: " ويأتي معه الدَّمُ عِنْدَ الْخَلَاءِ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: لَا يَأْتِي فِيهِ دَمٌ لا شيء غير ما يخرج الْخَلَاء لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ بعضهم ينسب إلى المزني الْخَطَأ فِي نَقْلِهِ وَجَعَلَ خُرُوجَ الدَّمِ مَعَ الْإِسْهَالِ مَخُوفًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْأُمِّ وَحَكَى الدَّارَكِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، أَنَّ النَّقْلَ صَحِيِحٌ، وَأَنَّ الْجَوَابَ مُخْتَلِفٌ على اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، وَحَمَلُوا نَقْلَ الْمُزَنِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَخُوفًا إِذَا كَانَ خُرُوجُ الدَّمِ من بواسير أَوْ بَوَاصِير، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ من أن يكون مخوفا إذا كان خروج الدم من المخوف. والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وإذا أَشْكَلَ سُئِلَ عَنْهُ أَهْلُ الْبَصَرِ. "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَاضَ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ يَكُونُ الْعِلْمُ بِهِ جَلِيًّا يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَتِهِ إِلَى سُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ.
وَضَرْبٌ يَكُونُ الْعِلْمُ بِهِ خفيا يختص به أهل العلم به فيسألوا أو يرجع إِلَى قَوْلِهِمْ فِيهِ.
كَمَا أَنَّ عِلْمَ الشَّرِيعَةِ ضربان: ضرب جَلِيٌّ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَعْدَادِ رَكَعَاتِهَا، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَوُجُوبِهِ، فَلَا يحتاج فِيهِ إِلَى سُؤَالِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا فِيمَا يَتَفَرَّعُ مِنْ أَحْكَامِهِ.
وَضَرْبٌ يَكُونُ خَفِيًّا فَيَلْزَمُهُمْ سُؤَالُ الْعُلَمَاءِ عَنْهُ إِذَا ابْتُلُوا بِهِ.
ثُمَّ إِذَا لزم سؤال أهل الطب فِيمَا أَشْكَلَ مِنَ الْأَمْرَاضِ، لَمْ يَقْتَنِعْ فِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ عَدْلَيْنِ مِنْ