الْأَلْفَيْنِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، فَلَوْ قَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قَدْ أَبْرَأْتُكَ إِنْ أَبْرَأْتَنِي لَمْ يَصِحَّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْيِيدِ الْبَرَاءَةِ بِشَرْطٍ، وَلَوْ قَالَ: قَدْ أَبْرَأْتُكَ فَأَبْرِئْنِي فَهُوَ مُبَرِّئٌ مِنْ حَقِّهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَصَحَّتْ بَرَاءَتُهُ وَطَلَبَ إِلَى الْآخَرِ أَنْ يُبَرِّئَهُ وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أن يبرئه أو لا يبرئه، وإن كانت الْأَلْفَانِ مَنْ نَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُ فَكَانَتِ الْأَلْفُ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الْأَلْفِ الصَّدَاقِ، وَعَلَى صِفَتِهَا فَهَلْ يَصِيرُ ذَلِكَ قَصَاصًا أَمْ لَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّ يَصِيرَ قَصَاصًا اخْتَارَا أَوْ لَمْ يَخْتَارَا فَعَلَى هَذَا قَدْ بَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْه يَصِيرَ قَصَاصًا إِنِ اخْتَارَا أو أحدهما ولا تصير قَصَاصًا إِنْ لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَصِيرُ قَصَاصًا إِنِ اخْتَارَاهُ مَعًا وَلَا يكون قصاصاً إن اختاره أحدهما.
والرابع: - وَهُوَ مُخَرَّجٌ - أَنَّهُ لَا يَصِيرَ قَصَاصًا بِحَالٍ وَإِنِ اخْتَارَاهُ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُؤْدِيَ إِلَى صَاحِبِهِ مَالَهُ وَيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ.
وَوَجْهُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ من كتاب المكاتب إن شاء الله.
[مسألة]
قال الشافعي: " وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِعَبْدِهِ وَيَمْنَعَهُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ وَفِي مِصْرِهِ إِلَّا فِي الْحِينِ الَّذِي لَا خِدْمَةَ لَهُ فِيهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ لِلسَّيِّدِ إِذَا أَذِنَ لعبده في النكاح فعلى حالتين:
إحداها: أَنْ يَلْتَزِمَ لِزَوْجَتِهِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَلْتَزِمَ فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَ عَبْدَهُ مِنَ اكْتِسَابِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ نَهَارًا وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ لَيْلًا فَيَكُونُ تَخْلِيَتُهُ نَهَارًا لِلِاكْتِسَابِ وَلَيْلًا لِلِاسْتِمْتَاعِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ فِي مَنْزِلِ سَيِّدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَخْلِيَتُهُ لَيْلًا لِوُصُولِهِ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ مَعَ سَيِّدِهِ فَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنَّ يُسَافِرَ بِعَبْدِهِ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لما فيه من منعه من الِاكْتِسَابِ، فَإِنْ قَهَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ، قَالَ أَبُو حامد الإسفراييني: يَضْمَنُ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ، لِأَنَّ أُجْرَتَهُ إِنْ زَادَتْ كَانَ لَهُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ إِتْمَامُ النَّفَقَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِنْدِي لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَضْمَنُ لَهَا النَّفَقَةَ وَلَا يَضْمَنُ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ فَلَزِمَتْهُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَلَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةُ الْعَبْدِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَالَ إِجْبَارِهِ أَعْظَمُ مِنْ حَالِ خِيَارِهِ فَلَمَّا لَزِمَهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ ضَمَانُ النفقة