[باب النية في إخراج الصدقة]
قال الشافعي رضي الله عنه: " إِذَا وَلِيَ إِخْرَاجَ زَكَاتِهِ لَمْ يُجْزِهِ إِلَّا بِنِيَّةِ أَنَّهُ فَرْضٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:
إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَبِهِ قَالَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّ إِخْرَاجَهَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الزَّكَاةَ إِذَا وَجَبَتْ صَارَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالدُّيُونُ فِي الذِّمَمِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ فِي الْأَدَاءِ كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَلِأَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْهُ وَالْيَتِيمَ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَالْوَالِي يَأْخُذُهَا كَرْهًا مِنْ مَالِ مَنِ امْتَنَعَ وَالْمُكْرَهُ لَا نِيَّةَ لَهُ، فَلَوْ كَانَتِ النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ مَا أَجْزَأَتِ الزَّكَاةُ عَنْ هَذَيْنِ لِفَقْدِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا، وَفِي إِجْزَائِهِمَا عَنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) {البينة: ٥) فَجَعَلَ الْإِخْلَاصَ وَهُوَ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى " فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُ مَا لَمْ يَنْوِهِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَنَوَّعُ فَرْضًا وَهُوَ الزَّكَاةُ وَنَفْلًا وَهُوَ التَّطَوُّعُ، فَوَجَبَ أَنْ تَفْتَقِرَ إِلَى النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَالْمَعْنَى فيه أنه ليس بعبادة، وإنما هو حق لا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَمْ تَلْزَمْ فِيهِ النِّيَّةُ، وَالزَّكَاةُ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ فِيهَا النِّيَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مُتَعَلِّقًا بِالْبَدَنِ كَالْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، لَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، فَكَذَلِكَ مَا تَعَلَّقَ بِالْمَالِ وَمَا كان من حقوق الله تعالى متعلقاً بالسر كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ فَكَذَلِكَ مَا تعلق بالمال وأما ما ذكروه مِنْ إِخْرَاجِ الْوَلِيِّ زَكَاةَ الْيَتِيمِ، وَأَخْذِ الْوَالِي زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ، فَأَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ، وَالْوَالِي الْعَادِلُ لَا يَأْخُذُ مِنَ الْمَالِ إِلَّا مَا وَجَبَ أَخْذُهُ فَلِذَلِكَ أَجْزَأَهُ أَخْذُهُ، فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ النِّيَّةِ فَفِي مَحَلِّهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: عِنْدَ إِخْرَاجِهَا وَدَفْعِهَا، فَإِنْ نَوَى قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ.
وَالثَّانِي: عِنْدَ عَزْلِهَا وَقَبْلَ دَفْعِهَا كَالصِّيَامِ، وَكَذَا فِي مَحَلِّ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، فَحَصَلَتِ الْعِبَادَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ فِي ابْتِدَائِهَا كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وعبادة لا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute