للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ فَبَطَلَ، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُسْتَبَاحُ بِالشَّكِّ وَسَوَاءٌ بَانَ مِنْ بَعْدُ أَنَّهُ مِنْ عِدَّتِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى خُلُوِّهَا مِنَ الْعِدَّةِ، وَالرَّجْعَةُ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً عَلَى بَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا فِي الْقُرْءِ الثَّالِثِ صَحَّ النِّكَاحُ، لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِيهِ مُعْتَدَّةً مِنْهُ أَوْ خَالِيَةً مِنْ عِدَّةٍ، وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعٌ مِنْ نِكَاحِهَا.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ لَمْ يُلْحِقُوهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا أَوْ لَمْ تَكُنْ قَافَةٌ أَوْ مَاتَ قَبْلَ يَرَاهُ الْقَافَةُ أَوْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَلَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا الرُّجُوعَ إِلَى بَيَانِ الْقَافَةِ مَعَ إِشْكَالِ النَّسَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ بَيَانٌ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ خَمْسَ مَسَائِلَ:

أَحَدُهَا: أن لا يلحقوه بواحد منها فَلَا يَكُونُ فِيهِ بَيَانٌ، لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ نَفْيُهُ عَنْهُمَا وَقَدْ ثَبَتَ فِرَاشُهُمَا، وَأَوْجَبَ الشَّرْعُ لُحُوقَهُ بِأَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَوْقُوفَ النَّسَبِ عَلَيْهِمَا فَقُبِلَ مِنْهُمْ لُحُوقُهُ بِأَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ تَمْيِيزٌ مَا اقْتَضَاهُ الشَّرْعُ وَلَمْ يَقْبَلْ نَفْيَهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّهُ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ فَصَارُوا مِمَّنْ لَا بَيَانَ فِيهِمْ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا أَلْحَقُوهُ بِهِمَا فَلَا يَلْحَقُ بِهِمَا، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ مَنَعَ مِنْ لُحُوقِهِ بِأَبَوَيْنِ فَصَارُوا مُثْبِتِينَ لِمَا نَفَاهُ الشَّرْعُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ بَيَانٌ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ قَافَةٌ يُرِيدُ فِي مَوْضِعِ الْوَلَدِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَمَا قَارَبَهُ إِلَى مَسَافَةِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَنِصْفِ لَيْلَةٍ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ لَا يَكُونُوا فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ مِنَ الْحِجَارِ، وَلَا يَلْزَمُ إِذَا بَعُدُوا أَنْ يُحْمَلَ الْوَلَدُ إِلَيْهِمْ، وَلَا أَنْ يُحْمَلُوا إِلَيْهِ كَالشُّهُودِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ نَقْلُهُمْ وَلَا الِانْتِقَالُ إِلَيْهِمْ، وَكَالْوَلِيِّ الْغَائِبِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ نَقْلُهُ وَلَا الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ خُلُوُّ الْمَوْضِعِ وَمَا قَارَبَهُ مِنَ الْقَافَةِ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْعَدَمِ لَهُمْ وَفَقْدِ الْبَيَانِ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَكَلَّفُوا الِانْتِقَالَ إِلَيْهِمْ أَوْ نَقْلَ الْقَافَةِ إِلَيْهِمْ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَلَزِمَ بَعْدَ حُضُورِهِمْ أَنْ يُعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِمْ إِذَا كَانَ فِيهِ بَيَانٌ.

وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ بَيَانِ الْقَافَةِ مَيِّتٌ فَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتَ الْمُتَنَازِعَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَكَانَ الْقَافَةُ يَعْرِفُونَ الْمَيِّتَ فِي حَيَاتِهِ بِكَلَامِهِ وَأَلْحَاظِهِ وَشَمَائِلِهِ وَأَمَارَاتِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرَ مَوْتُهُ فِي حُكْمِ الْقَافَةِ، وَجَازَ أَنْ يُلْحِقُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِمَنْ حَكَمُوا بِشَبَهِهِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْوَلَدَ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ نُظِرَ حَالُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ تَغَيَّرَ فِي أَوْصَافِهِ وَحُلَاهُ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْقَافَةِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَكَانَ بَاقِيًا عَلَى أَوْصَافِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي حَيَاتِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَ حُكْمُ الْقَافَةِ فِيهِمْ بِالْمَوْتِ، لِأَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ مَعَ الشَّبَهِ الظَّاهِرِ مَا خَفِيَ مِنَ الشَّبَهِ الْخَفِيِّ فِي الْكَلَامِ وَالْأَلْحَاظِ وَالشَّمَائِلِ وَالْإِشَارَاتِ، وَيَقْتَصِرُونَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>