فَصْلٌ: الْقَوْلُ فِي الشُّرُوطِ الَّتِي تُبْطِلُ النِّكَاحَ
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ فَهُوَ كُلُّ شَرْطِ رَفَعَ مَقْصُودَ الْعَقْدِ، مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ، أَوْ إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ.
فَالنِّكَاحُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ بَاطِلٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَتِهَا، لِأَنَّهَا رَافِعَةٌ لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ مِنَ الْبَقَاءِ وَالِاسْتِدَامَةِ فَصَارَ النِّكَاحُ بِهَا مُقَدَّرَ الْمُدَّةِ، فَجَرَى مَجْرَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَكَانَ بَاطِلًا
فَصْلٌ: الْقَوْلُ فِي الشُّرُوطِ الَّتِي تبطل الصداق دون النكاح
وأما القسم الثاني: وهو أن يُبْطِلُ الصَّدَاقَ دُونَ النِّكَاحِ: فَهُوَ كُلُّ شَرْطٍ خَالَفَ حُكْمَ الْعَقْدِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ.
فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ: فَمِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أن لا يَقْسِمَ لَهَا مَعَ نِسَائِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ تُخَفِّفَ عَنْهُ نَفَقَتَهَا وَكُسْوَتَهَا، أَوْ تُنْظِرَهُ بِهِمَا.
وفي حكم ذلك: أن يشترط عليها أن لا تُكَلِّمَ أَبَاهَا وَلَا أَخَاهَا، فَهَذِهِ كُلُّهَا شُرُوطٌ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهَا مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تُحَلِّلُ حَرَامًا أَوْ تُحَرِّمُ حَلَالًا، وَاخْتَصَّتْ بِالصَّدَاقِ دُونَ النِّكَاحِ، لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ مَوْجُودٌ مَعَهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الصَّدَاقُ بِهَا، لِأَنَّهَا قَابَلَتْ مِنْهُ جُزْءًا إِذْ كَأَنَّهُ زَادَهَا فِيهِ لِأَجْلِهَا.
وَإِذَا أَوْجَبَ بُطْلَانَهَا بَطَلَ مَا قَابَلَهَا مِنْهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ، صَارَ الْبَاقِي بِهَا مَجْهُولًا، فَبَطَلَ، وَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى أَوْ أَقَلَّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنَ الْمُسَمَّى لَمْ أُوجِبْ لَهَا إِلَّا الْمُسَمَّى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ مَعَ اشْتِرَاطِهِ عَلَيْهَا فَلِأَنْ تَرْضَى بِهِ مَعَ عَدَمِ الشُّرُوطِ أَوْلَى.
وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ سُقُوطَ الْمُسَمَّى بِالْفَسَادِ إِذَا أَوْجَبَ الرُّجُوعَ إِلَى الْقِيمَةِ اسْتُحِقَّتْ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْمُسَمَّى كَمَنْ قَبَضَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ عَلَى شُرُوطٍ فَاسِدَةٍ شَرَطَهَا عَلَى بَائِعِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ اسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ دُونَ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ.
فَمِثْلُ أَنْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى بِالْإِمَاءِ وَأَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا.