للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَغْصَانُ الَّتِي لَمْ تَسْتَخْلِفْ بَعْدَ الْقَطْعِ، فَالْوَاجِبُ فِيهَا بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، فَتُقَوَّمُ الشَّجَرَةُ قَبْلَ الْقَطْعِ، فَإِذَا قِيلَ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، قُوِّمَتْ بَعْدَ قَطْعِ الْغُصْنِ مِنْهَا، فَإِذَا قِيلَ: بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ، كَانَ النَّقْصُ مِنْهَا دِرْهَمًا وَهُوَ الْعُشْرُ، فَيَكُونُ ضَامِنًا لِذَلِكَ، وَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَضْمَنُ الْعُشْرَ بِمَا يَجِبُ فِي تِلْكَ الشَّجَرَةِ؛ فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً ضَمِنَ عُشْرَ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ضَمِنَ عُشْرَ شَاةٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَضْمَنَ الدَّرَاهِمَ النَّاقِصَةَ مِنْ قِيمَةِ الشَّجَرَةِ بِالْقَطْعِ ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ الدِّرْهَمِ، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهِ طَعَامًا تَصَدَّقَ بِهِ، وَأَمَّا النَّبَاتُ الَّذِي لَمْ يَسْتَخْلِفُ بَعْدَ قَطْعِهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِشَيْءٍ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ طَعَامٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا حِجَارَةُ الْحَرَمِ فَيُمْنَعُ مِنْ إِخْرَاجِهَا مِنَ الْحَرَمِ، وَكَذَلِكَ التُّرَابُ وَالْمَدَرُ؛ لِمَا لَهُ مِنَ الْحُرْمَةِ الْمُبَايِنَةِ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَدِمْتُ مَعَ جَدَّتِي مَكَّةَ فأتتها صفية بنت شيبة، فأكرمتها وفعلت بها، فَقَالَتْ صَفِيَّةُ: مَا أَدْرِي مَا أُكَافِئُهَا بِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا بِقِطْعَةٍ مِنَ الرُّكْنِ فَخَرَجَتْ بِهَا فَنَزَلْنَا أَوَّلَ منزلٍ فَذَكَرَ مِنْ مَرَضِهِمْ وَعِلَّتِهِمْ جميعاً، قال: فقالت لي - وكنت مَنْ أُمَثِّلُهُمْ -: انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إِلَى صَفِيَّةَ فَرُدَّهَا وَقُلْ لَهَا: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي حَرَمِهِ شَيْئًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ، قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: فَقَالُوا لِي: فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَحَيَّنَّا دُخُولَكَ الْحَرَمَ فَكَأَنَّمَا نَشَطْنَا من عقلٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَالْبِرَامُ يَنْفَكُّ مِنَ الْحَرَمِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا خَطَأٌ؛ أَلَيْسَ الْبِرَامُ مِنَ الْحَرَمِ بَلْ يُحْمَلُ إِلَى مَكَّةَ مِنَ الْحِلِّ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ، فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ أَوْ مِنْ تُرَابِهِ شَيْئًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى مَوْضِعِهِ وَإِعَادَتُهُ إِلَى الْحَرَمِ، فَأَمَّا مَاءُ الْحَرَمِ فَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِهِ إِلَى الْحِلِّ؛ لِمَا بِالنَّاسِ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي خُرُوجِهِمْ؛ وَلِذَلِكَ لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ مَاءِ زَمْزَمَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَهْدَى مِنْ سُهِيلِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَأَهْدَى إِلَيْهِ مَزَادَتَيْنِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ على بعيرٍ وطرح عليه كساءٌ.

مسألة: قال الشافعي: رضي الله عنه: " وَسَوَاءٌ مَا قُتِلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الإحرام ".

قال الماوردي: فهو مَضْمُونٍ بِالْجَزَاءِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَْنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاء مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) {المائدة: ٩٥) فَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ عَلَى الْحُرُمِ وَالْحُرُمُ جَمْعُ حَرَامٍ وَالْحَرَامُ هُوَ مَنْ عَقَدَ الْإِحْرَامَ، فَأَمَّا مَنْ أَوَى إِلَى الْحَرَمِ فَلَا يُقَالُ لَهُ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ مُحْرِمٌ، قَالَ: وَلِأَنَّ الْحَرَمَ لَوْ كَانَ مَانِعًا مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>