للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز لهم النزول حيث لا يضروا المجتاز ولا يمنعوا سَائِلًا ثُمَّ لَهُمُ الْمَاءُ وَالْمَرْعَى مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ وَلَا حِمًى، وَهَكَذَا الْبَادِيَةُ إِذَا انْتَجَعُوا أَرْضًا طَلَبًا لِلْمَاءِ وَالْكَلَأِ مَكَثُوا فِيهَا وَلَمْ يَزَالُوا عَنْهَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا غَيْرَهُمْ مِن انْتِجَاعِهَا وَرَعْيِهَا إِلَّا أَنْ يَضِيقَ بِهِمْ فَيَكُونُ السَّابِقُونَ إِلَيْهَا أَوْلَى بِهَا مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ رَوَى يُوسُفُ بْنُ مَاهِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَبْنِي لَكَ بِمِنًى بِنَاءً يُظَلِّلُكَ مِنَ الشَّمْسِ فَقَالَ: لَا إِنَّمَا هو مناح مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ فَلَوْ ضَاقَ الْمَنْزِلُ عَنْ جميع ما وَرَدَ إِلَيْهِ نَزَلُوا فِيهِ بِحَسَبِ مَسِيرِهِمْ إِلَيْهِ يَتَرَتَّبُونَ النُّزُولَ كَمَا كَانُوا مُتَرَتِّبِينَ فِي الْمَسِيرِ فَمَنْ قَصُرَ عَنْهُمْ عَنْ لُحُوقِ الْمَنْزِلِ نَزَلَ حَيْثُ بَلَغَ، وَلَوْ ضَاقَ بِهِمُ الْمَاءُ فَإِنْ كَانُوا لَوْ تُوَاسَوْا بِهِ عَمَّهم لَزِمَهُمْ أَنْ يتواسوا فيه ومنعوا مِنْ أَنْ يَحُوزَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ، وَإِنْ ضَاقَ عَنْ مُوَاسَاتِهِمْ فِيهِ كَانَ الْأَسْبَقُ إِلَيْهِ أَحَقَّ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ عَنْهُمْ فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَسْبُوقُ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنْهُ، لِأَنَّهُ قَدْ ملكه بالإجارة بَعْدَ أَنْ كَانَ مُبَاحًا، وَإِنْ جَاءُوا إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ لَمْ يَسْبِقْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُوَ يَنْقُصُ عَنْ كِفَايَتِهِمِ اقْتَرَعُوا عَلَيْهِ فَأَيُّهُمْ قُرِعَ كَانَ أَحَقَّ بِمَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ حَتَّى يَرْتَوِيَ الْآدَمِيُّونَ، وَلَيْسَ لِمَنْ قُرِعَ مِنْهُمْ أَنْ يُقَدِّمَ بَهَائِمَهُ عَلَى ارْتِوَاءِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِذَا ارْتَوَى الْآدَمِيُّونَ جَمِيعًا اسْتُؤْنِفَتِ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَلَمْ يُحْمَلُوا عَلَى الْقُرْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا، وَهَلْ تُسْتَأْنَفُ الْقُرْعَةُ عَلَى أَعْيَانِ الْبَهَائِمِ أَوْ عَلَى أَعْيَانِ أَرْبَابِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ تُسْتَأْنَفَ عَلَى أَعْيَانِ أَرْبَابِهَا تَغْلِيبًا لِحُرْمَةِ الْمِلْكِ، فعلى هذا إذا أقرع أَحَدُ أَرْبَابِ الْبَهَائِمِ يَسْقِي جَمِيعَ بَهَائِمِهِ ثُمَّ هَكَذَا مَنْ قُرِعَ بَعْدَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْقُرْعَةَ تُسْتَأْنَفُ عَلَى أَعْيَانِ الْبَهَائِمِ تَغْلِيبًا لِحُرْمَتِهَا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ، وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمِلْكِ فَعَلَى هَذَا إِنْ قَرَعَتِ الْقَرْعَةُ مَالَ رَجُلٍ مَرَّ تَقْدِيمًا لِمَنْ قُرِعَ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ الِارْتِفَاقُ فِيهِ بِأَقْنِيَةِ الْمَنَازِلِ وَالْأَمْلَاكِ كَمَقَاعِدِ الْبَاعَةِ وَالسُّوقَةِ فِي أَقْنِيَةِ الدُّورِ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَرْبَابِ الدُّورِ مُنِعُوا مِنَ الْجُلُوسِ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْجُلُوسُ عَلَى عَتَبَةِ الدَّارِ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنِ مَالِكِ الدَّارِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِذْنِ مِنَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي فِنَاءِ الدَّارِ وَحَرِيمِهَا الَّذِي لَا يَضُرُّ بِالدَّارِ وَلَا بِمَالِكِهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمُ الْجُلُوسُ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا، لِأَنَّ حَرِيمَ الدَّارِ مِرْفَقٌ عَامٌّ كَالطَّرِيقِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ جَلَسَ وَلَا يُقَدِّمَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمُ الْجُلُوسُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا، لِأَنَّ مَالِكَ الدَّارِ أَحَقُّ بِحَرِيمِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ وَإِنْ كَانَ أَحَقَّ بِالْإِذْنِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ أُجْرَةً كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ ثَمَنًا لِأَنَّهُ يَقَعُ لِلْمِلْكِ وَلَيْسَ بِمِلْكٍ، فَلَوْ كَانَ مَالِكُ الدَّارِ مَوْلًى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَأْذَنَ فِي الْجُلُوسِ فِيهِ، لأنه غير مستحق في الملك ولا معاوض عَلَيْهِ وَلَا مُنْتَفِعٍ بِهِ، وَسَوَاءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>