للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ بَاعَهُ مِنَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَهُ يَقْضِي بِهِ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ وَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ منهما عليه بنصف الثمن (قال المزني) رحمه الله: ينبغي أن يقضي لكل واحد منهما بجميع الثمن لأنه قد يشتريه من أحدهما ويقبضه ثم يملكه الآخر ويشتريه منه ويقبضه فيكون عليه ثمنان وقد قال أيضا لو شهد شهود كل واحد على إقرار المشتري أنه اشتراه أو أقر بالشراء قضى عليه بالثمنين (قال المزني) سواء إذا شهدوا أنه اشترى أو أقر بالشراء ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا مُشْتَرٍ وَبَائِعَانِ وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ ثَوْبٌ تَنَازَعَهُ رَجُلَانِ، فَقَالَ لَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، هَذَا ثَوْبِي بِعْتُهُ عَلَيْكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَسَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ وَلِي عَلَيْكَ ثَمَنُهُ. وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ، فَلَا تخلو بينتاهمها مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ تَارِيخُهُمَا مُخْتَلِفًا، فَتَشْهَدُ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ بَاعَهُ عَلَيْهِ فِي رَجَبٍ، وَتَشْهَدُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ أَنَّهُ بَاعَهُ عليه في شعبان، فلا تعرض فِي الْبَيِّنَتَيْنِ، لِإِمْكَانِ حَمْلِهِمَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي رَجَبٍ، وَيَبِيعَهُ عَلَى الْآخَرِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَشْتَرِيهِ مِنْهُ، فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَائِعَيْنِ. فِي وَقْتَيْنِ بِثَمَنَيْنِ، وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ مِنْ غَيْرِ تَكَاذُبٍ وَلَا تَعَارُضٍ، كَمَا لَوِ ادَّعَتِ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ نَكَحَهَا فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ، ثُمَّ نَكَحَهَا فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ عَلَى صَدَاقِ أَلْفَيْنِ، وَأَقَامَتْ عليه البينة بكل واحد من النكاحين، يحكم عَلَيْهِ بِالصَّدَاقَيْنِ وَلَا تَتَعَارَضُ فِيهِ الْبَيِّنَتَانِ، لِأَنَّهُ قد يتزوجها في يوم الخميس، ويخالفها فِيهِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ فَيَصِحُّ الْعَقْدَانِ وَيَلْزَمُهُ الصَّدَاقَانِ.

كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا: يَصِحُّ فِيهِ الْبَيِّعَانِ، وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ، لإِمْكَانِ الصِّحَّةِ وَامْتِنَاعِ التَّنَافِي، وَإِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الصِّحَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْمِلَا عَلَى التَّنَافِي وَالتَّضَادِّ،

(فَصْلٌ)

: وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ تَارِيخُ الْبَيِّنَتَيْنِ وَاحِدًا، فَتَشْهَدُ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ بَاعَ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ هَذَا بِأَلْفٍ، مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ، وَتَشْهَدُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ أَنَّهُ بَاعَ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ هَذَا بِأَلْفٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِعَيْنِهِ، مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ من يوم السبت، فقد تكاذبت البينتان فتعارضت لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الثَّوْبِ مِلْكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَائِعَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَبَيْعُهُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ تَعَارُضُهُمَا مَعَ التَّكَاذُبِ مَحْمُولًا عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثلاثة في تعارض البينتين:

أحدهما: إِسْقَاطُهُمَا بِالتَّعَارُضِ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِهِ حَرَجُ أَحَدِهِمَا بِالتَّكَاذُبِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ إِسْقَاطِهِمَا إِلَى قَوْلِ صاحب اليد، فإن كذبهما حلف لهما، وبرىء من مطالبتهما، وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>