للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا نَقَلَهُ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " فَقَالَ: وَلَوِ أعْتِقْنَ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ فَاخْتَرْنَ الْمُقَامَ مَعَهُ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ خُيِّرْنَ حِينَ يُسْلِمْنَ، وَلَمْ يَذْكُرْ إِذَا اخْتَرْنَ فِرَاقَهُ فِيهَا، وَإِنَّمَا غَلِطَ الْمُزَنِيُّ أَوِ الْكَاتِبُ فِي النَّقْلِ فَقَالَ فَاخْتَرْنَ فِرَاقَهُ، أَوِ الْمُقَامَ مَعَهُ، وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ النَّقْلَ صَحِيحٌ، وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ اخْتِيَارَ الْفُرْقَةِ وَاخْتِيَارَ الْمُقَامِ ثُمَّ عَطَفَ بِالْجَوَابِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُقَامِ دُونَ الْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَدَّمَ حُكْمَ اخْتِيَارِهِنَّ لِلْفُرْقَةِ وَأَفْرَدَ هَاهُنَا حُكْمَ اخْتِيَارِهِنَّ لِلْمُقَامِ وَمِنْ عَادَةِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيَعْطِفَ بِالْجَوَابِ المرسل على أحدهما وَيَجْعَلَ جَوَابَ الْأُخْرَى مَحْمُولًا عَلَى مَا عُرِفَ من مذهبه أو تقدم من جوابه، وهذا تَأْوِيلٌ أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِ " الْإِفْصَاحِ " فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ اخْتِيَارُهُنَّ الْفَسْخَ مُعْتَبَرًا بِإِسْلَامِهِنَّ، فَإِنْ أَسْلَمْنَ فِي عِدَدِهِنَّ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِفَسْخِهِنَّ وَيَسْتَأْنِفْنَ عِدَدَ حَرَائِرَ مِنْ وَقْتِ فَسْخِهِنَّ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَبَطَلَ حُكْمُ الْفَسْخِ بِالْعِتْقِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَبْلَهُ، وَفِي عِدَدِهِنَّ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: عِدَدُ إِمَاءٍ اعْتِبَارًا بِالِابْتِدَاءِ.

وَالثَّانِي: عِدَدُ حَرَائِرَ اعْتِبَارًا بِالِانْتِهَاءِ.

فَصْلٌ: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي

: وَهُوَ أَنْ يَخْتَرْنَ الْمُقَامَ مَعَهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ، فَفِي هَذَا الِاخْتِيَارِ وَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَغْوٌ لَا حُكْمَ لَهُ، لِأَنَّهُنَّ جَارِيَاتٌ فِي فَسْخٍ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْمُقَامِ فَبَطَلَ حُكْمُهُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْفَسْخِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ هاهنا، فعلى هذا إن أسلمن بَعْدَ عِدَدِهِنَّ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَإِنْ أَسْلَمْنَ فِي عِدَدِهِنَّ كَانَ لَهُنَّ الْخِيَارُ فِي الْمُقَامِ أَوِ الْفَسْخِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اخْتِيَارَ الْمُقَامِ قَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُنَّ فِي الْفَسْخِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَيَكُونُ مَوْقُوفَ الْحُكْمِ عَلَى إِمْضَائِهِ فِي زَمَانِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى انقضت عددهن بان بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَإِنْ أَسْلَمْنَ فِي عِدَدِهِنَّ سَقَطَ حَقُّهُنَّ مِنِ اخْتِيَارِ الْفَسْخِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنِ اخْتِيَارِ الْمُقَامِ.

فَصْلٌ: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ

: وَهُوَ أَنْ يُمْسَكْنَ فِي الشِّرْكِ، فَلَا يَخْتَرْنَ بَعْدَ الْعِتْقِ مُقَامًا وَلَا فَسْخًا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَهُنَّ إِذَا أَسْلَمْنَ أَنْ يَخْتَرْنَ الْفَسْخَ، وَلَا يَكُونُ إِمْسَاكُهُنَّ عَنْهُ إِسْقَاطًا لِحَقِّهِنَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُنَّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مَوْقُوفٌ وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ نَافِذٌ، فَجَازَ تَأْخِيرُهُ عَنْ زَمَانِ الْوَقْفِ إِلَى زَمَانِ النفوذ ووهم بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَجَعَلَ إِمْسَاكَهُنَّ عَنْهُ إِسْقَاطًا لِحَقِّهِنَّ منه قال؛ لأن ما تقدم من الشرك هدر والإسلام يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أوجب أن يكون الخيار هدر لأوجب أن يكون النكاح والطلاق هدر، وَلَمَا لَزِمَ فِي الْإِسْلَامِ حُكْمُ عَقْدٍ تَقَدَّمَ فِي الشِّرْكِ وَفِي فَسَادِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ مَا أَفْضَى إِلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لهن الخيار بعد الإسلام فالجواب فيه إِنِ اخْتَرْنَ الْفَسْخَ أَوِ الْمُقَامَ عَلَى مَا مضى.

<<  <  ج: ص:  >  >>