للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَصِفَهُ بِأَقَلِّ صِفَاتِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنِ الْجَهَالَةِ. فَعَلَى هَذَا يَذْكُرُ فِي الْعَبْدِ الرُّومِيِّ بِصِفَةٍ أَنَّهُ خُمَاسِيٌّ أَوْ سُدَاسِيٌّ، وَفِي الثَّوْبِ الْقُطْنِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ أَوْ هُرَوِيٌّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَصِفَهُ بِأَكْثَرِ صِفَاتِهِ؛ لِيَتَمَيَّزَ بِكَثْرَةِ الصِّفَاتِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَوْصُوفَاتِ، فَعَلَى هَذَا يَذْكُرُ فِي الْعَبْدِ الرُّومِيِّ الْخُمَاسِيِّ قَدَّهُ وَبَدَنَهُ، وَفِي الثَّوْبِ الْقُطْنِ الْمَرْوِيِّ طُولَهُ وَعَرْضَهُ.

فَأَمَّا ذِكْرُ جَمِيعِ صِفَاتِهِ فَلَيْسَتْ شَرْطًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا، فَإِن وَصفهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْجَهَالَةِ، وَأَبْلَغُ فِي التَّمْيِيزِ.

وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ بُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَيَصِيرُ مِنْ بُيُوعِ السَّلَمِ، وَالسَّلَمُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَجُوزُ، فَكَذَلِكَ وَصْفُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهَا لَا يَجُوزُ. فَهَذَا حُكْمُ الصِّفَةِ.

(فَصْلٌ: [بَيَانُ مَوْضِعِ الْبَيْعِ] )

فَأَمَّا ذِكْرُ مَوْضِعِ الْمَبِيعِ، فَيَخْتَلِفُ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْمَبِيعِ.

فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالْأَرْضِ وَالْعَقَارِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ، فَيَقُولُ: بِعْتُكَ دَارًا بِالْبَصْرَةِ أو بغداد، لأن بِذِكْرِ الْبَلَدِ، يَتَحَقَّقُ ذِكْرُ الْجِنْسِ، وَيَصِيرُ فِي جُمْلَةِ الْمَعْلُومِ.

فَأَمَّا ذِكْرُ الْبُقْعَةِ مِنَ الْبَلَدِ؟ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُ ذِكْرُهَا.

وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُ ذِكْرُهَا؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ تَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ.

فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ الْغَائِبُ مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، لِأَنَّ الْقَبْضَ يَتَعَجَّلُ إِنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا، وَيَتَأَخَّرُ إِنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا، فَافْتَقَرَ الْعَقْدُ إِلَى ذِكْرِهِ؛ لِيُعْلَمَ بِهِ تَعْجِيلُ الْقَبْضِ مِنْ تَأْخِيرِهِ.

فَأَمَّا ذِكْرُ الْبُقْعَةِ مِنَ الْبَلَدِ، فَلَا يَلْزَمُ، لِأَنَّ الْبَلَدَ الْوَاحِدَ لَا يَخْتَلِفُ أَطْرَافُهُ كَالْبِلَادِ الْمُخْتَلِفَةِ. فَإِذَا ذكر لَهُ الْبَلَد الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَا فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَيْهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا.

فَإِذَا قِيلَ: أَلَيْسَ لَوْ شُرِطَ فِي السَّلَمِ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ جَازَ، فَهَلَّا جَازَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعَيْنِ الغائبة؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>