للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥

- أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً وَيُعَزَّرُ لَهَا تَعْزِيرَ الْقَذْفِ وَلَا يُحَدُّ، لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ تَجْمَعُ الْأَحْرَارَ وَالْمَمَالِيكَ. وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ حُرَّةً، وَيُحَدُّ لَهَا إِلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ، وَالرِّقُّ طَارِئٌ، فَكَانَ الظَّاهِرُ مَعَهَا، وَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا.

(فَصْلٌ)

وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُولَ لَهَا: زَنَيْتِ وَأَنْتِ مُسْتَكْرَهَةٌ عَلَى الزِّنَا، فَهَذَا لَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ مَا نَسَبَهَا إِلَى مَا يُعِرُّهَا. فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَلَا تَعْزِيرُهُ، وَفِي تَعْزِيرِهِ لِلْأَذَى وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُعَزَّرُ لِانْتِفَاءِ مَعَرَّةِ الزِّنَا.

وَالثَّانِي: يُعَزَّرُ لِلْأَذَى، لِأَنَّ فِيهِ أَذًى بِمَا أَضَافَ إِلَيْهَا مِنَ اخْتِلَاطِ النَّسَبِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: وُطِئْتِ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، وَفِي تَعْزِيرِهِ لِلْأَذَى وَجْهَانِ.

(فَصْلٌ)

وَالْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إِذَا قَالَ لها زنا بِكِ صَبِيٌّ لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَهَذَا لَيْسَ بِقَاذِفٍ لِاسْتِحَالَتِهِ وَيُعَزَّرُ لِلْأَذَى وَلَا يَلْتَعِنُ فَهَذَا تَفْصِيلُ مَا جَمَعَهُ الشَّافِعِيُّ مِنَ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ، وَقَوْلُهُ فِيهَا وَيُعَزَّرُ لِلْأَذَى إِلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ إِشَارَةٌ إِلَى أَذَى الْقَذْفِ دُونَ أَذَى الْفُحْشِ وَالْخَنَا، وَعَبَّرَ عَنْ تَعْزِيرِ الْقَذْفِ بِتَعْزِيرِ الْأَذَى؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَذًى، وَفِيمَا شَرَحْنَاهُ مِنَ التَّفْصِيلِ زَوَالُ مَا أُشْكِلَ مِنْ إِطْلَاقِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي: " وَلَوْ قَالَ زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ حُدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يَوْمِ تَكَلَّمَ بِهِ وَيَوْمِ تَوَقُّعِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِزِنًا كَانَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الزِّنَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُلَاعِنُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْقَذْفِ وَتَقَدَّمَ مِنَ الْحِجَاجِ عَلَيْهِ مَا أَغْنَى، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا لَاعَنَ مِنَ الْقَذْفِ بِالزِّنَا الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ نِكَاحِهِ؟ لِأَنَّهَا قَدْ تَحْبَلُ مِنْهُ فَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ فَصَارَتِ الضَّرُورَةُ دَاعِيَةً إِلَى قَذْفِهَا وَلِعَانِهِ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ نَسَبُ الزِّنَا، قِيلَ: قَدْ كَانَ يُمْكِنُ إِطْلَاقُ الْقَذْفِ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ إِلَى زَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ لَاعَنَ مِنْ هذا القذف ليست حَامِلًا لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ نَسَبُ وَلَدٍ تَضَعُهُ بَعْدَ لِعَانِهِ، فَإِنْ وَلَدَتْ، بَعْدَ هَذَا الْقَذْفِ وَلَدًا نَظَرَ زَمَانَ وِلَادَتِهِ، فَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ نِكَاحِهِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ لِعِلْمِنَا بِتَقَدُّمِ عُلُوقِهِ عَلَى نِكَاحِهِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ نِكَاحِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ لَاحِقٌ بِهِ بِحُكْمِ الْفِرَاشِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا حِينَئِذٍ، هَلْ لَهُ أَنْ يَلْتَعِنَ لِنَفْيِهِ بِذَاكَ الْقَذْفِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي نُسِبَ الزِّنَا فِيهِ إِلَى مَا قَبْلَ نِكَاحِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>