للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ هَذَا الْقَدْرِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى عَادَتِهَا فَإِنِ ادَّعَتِ انْتِقَالَ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ إِلَى أَقَلِّهِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وفي الطهر إلى أقله خمسة عشرة يَوْمًا فَفِي قَبُولِ قَوْلِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مَقْبُولًا لِإِمْكَانِهِ كَمَا قِيلَ فِي ابْتِدَائِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ إِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الِانْتِقَالِ عَنِ الْعَادَةِ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ أصلاً متيقناً.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَأَقَلُّ مَا عَلِمْنَاهُ مِنَ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَقَالَ في موضع آخر يوم وليلة (قال المزني) رحمه الله وهذا أولى لأنه زيادة في الخبر والعلم وقد يحتمل قوله يوماً بليلة فيكون المفسر من قوله يقضي على المجمل وهكذا أصله في العلم ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْحَيْضِ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَإِعَادَتُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ فَذَكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.

وَالثَّانِي: أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ فَاسِدَةٌ، لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا احْتَمَلَهُ الِاجْتِهَادُ مِنْ تَعَارُضِ ظَاهِرَيْنِ أَوْ تَرْجِيحِ قِيَاسَيْنِ وَأَقَلُّ الْحَيْضَتَيْنِ مُعْتَبَرٌ بِالْوُجُودِ الْمُعْتَادِ فَإِنْ وُجِدَ الْأَقَلُّ بَطَلَ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَطَلَ الْأَقَلُّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لِأَصْحَابِنَا أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ بِغَيْرِ لَيْلَةٍ، لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ إِلَى أَنْ صَحَّ عِنْدَهُ مَا قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمُ امْرَأَةٌ تَحِيضُ بِالْغَدَاةِ وَتَطْهُرُ بِالْعَشِيِّ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَصَارَ إِلَيْهِ وَرَجَعَ عَنِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَصَحُّ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الموضع " أقله يوم " يريد يه لَيْلَتَهُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ الْأَيَّامَ، وَتُرِيدُ بِهَا مع الليالي ويذكر اللَّيَالِيَ وَتُرِيدُ بِهَا مَعَ الْأَيَّامِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا للتأكيد قال الله تعالى: {أن لا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠] . وَأَرَادَ بِأَيَّامِهَا وَقَالَ تَعَالَى: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] . وَأَرَادَ بِلَيَالِيهَا، فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ وَافَقَ عَلَى هَذَا، فِي أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَخَالَفَ فِي الْعِلَّةِ قَالَ: لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ وَالْعِلْمِ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ زِيَادَةَ الْعِلْمِ وُجُودُ الْأَقَلِّ لَا وُجُودُ الْأَكْثَرِ وَلَوْ كَانَ هَذَا التَّعْلِيلُ صَحِيحًا لَكَانَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ تَحْدِيدِ أَقَلِّهِ بِالثَّلَاثِ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ أَزْيَدُ عِلْمًا وَأَحْسَبُ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَزِدْ مَا تَوَهَّمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>