للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ ذَوُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لَا يَصِحُّ فِي ذَكَرَيْنِ، وَلَا فِي أُنْثَيَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا مَحْرَمَ بَيْنَ ذَكَرَيْنِ وَلَا بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ، وَإِنَّمَا الْمَحْرَمُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَبَطَلَ التَّعْلِيلُ بِالْمَحْرَمِ، لِأَنَّ حُكْمَ الذَّكَرَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ كَحُكْمِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعْلِيلٌ يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْعِتْقِ بِالنِّكَاحِ وَهُمَا مُفْتَرِقَانِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ أَعَمُّ تَحْرِيمًا مِنَ الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ يَتَجَاوَزُ تَحْرِيمَ النَّسَبِ إِلَى تَحْرِيمِ السَّبَبِ مِنْ رَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ، وَالْعِتْقُ يَقْصُرُ عَنْهُ فِي السَّبَبِ، فَقَصُرَ عَنْهُ فِي النَّسَبِ. وَلَئِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَدْ أَعْتَقَ كُلَّ مُحَرَّمَةٍ بِنَسَبٍ وَسَبَبٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْتِقُ الْمُحَرَّمَةَ بِالسَّبَبِ مِنْ رِضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُهَا بِالنَّسَبِ مِنْ أُبُوَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ، فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِهَا أَوْلَى مِنَ التَّعْلِيلِ بِالتَّحْرِيمِ.

فَصْلٌ

إِذَا زَنَى وَأَوْلَدَ بِنْتًا لَمْ تَعْتِقْ عَلَيْهِ إِذَا مَلَكَهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَعْتِقُ عَلَيْهِ احْتِجَاجًا بِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ كَالْمَوْلُودَةِ مِنْ نِكَاحٍ.

وَدَلِيلُنَا أَنَّهَا وِلَادَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ثُبُوتُ النَّسَبِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا وُقُوعُ الْعِتْقِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَزْنِيِّ بِهَا إِذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ النَّفَقَةَ لَمْ يَقَعْ بِهِ الْعِتْقُ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ ذِي الْمَحْرَمِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الِامْتِنَاعُ مِنْ تَسْلِيمِ خَلْقِهَا مِنْ مَائِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ لِمَائِهِ فِي الزَّوْجَةِ حُرْمَةٌ تُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ، فَأَوْجَبَتْ وُقُوعَ الْعِتْقِ، وَلَيْسَ لِمَائِهِ فِي الزَّانِيَةِ حُرْمَةٌ يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ يَقَعُ بِهَا الْعِتْقُ.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الَّذِي يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ هُمُ الْوَالِدُونَ وَالْمَوْلُودُونَ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَقَارِبِ وَالْمُنَاسِبِينَ، فَبِأَيِّ سَبَبٍ مَلَكَهُمْ مِنِ ابْتِيَاعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ عَتَقُوا بِهِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا عَتَقُوا بِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ عَتَقُوا عَلَيْهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي مَلَكَهُمْ بِهِ فَإِنْ مَلَكَهُمْ بِابْتِيَاعٍ كَانَ الْعَقْدُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ وَالْعِتْقِ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَيَكُونُ حُكْمُ هَذَا الِابْتِيَاعِ جَارِيًا مَجْرَى قَوْلِهِ لِلْبَائِعِ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِأَلْفٍ، فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ خِيَارٌ بَعْدَ عِتْقِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>