للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَرَائِرِ فَالْمَعْنَى فِيهِنَّ: جَوَازُ العقد عليهن بغير ضَرُورَةٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَرِقُّ وَلَدُهُ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ بِاسْتِرْقَاقِهِ ضَرَرٌ فَخَالَفَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ:

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْعَبْدِ فَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ لِغَيْرِ ضرورة وليس عليه اسْتِرْقَاق وَلَدِهِ ضَرَرٌ، فَخَالَفَ الْحُرَّ مِنْ هَذَيْنِ الوجهين، فعلى هذا لو تزوج أَمَتَيْنِ ثَبَتَ نِكَاحُ الْأُولَى وَبَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بطَلَ نِكَاحُهُمَا، لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا إِنْ حَلَّتْ فَهِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، فصار كَمَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ، إِنْ تزوجها في عقدين، وبطل نكاحهما إن تزوجها في عقد واحد.

[فصل]

وإذا قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي نِكَاحِ الْأَحْرَارِ لِلْإِمَاءِ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى نِكَاحِ الْعَبِيدِ لَهُنَّ فَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ الْإِمَاءَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَنْكِحُهَا، وَإِنْ أَمِنَ الْعَنَتَ أَوْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ.

وَقَالَ أبو حنيفة: هُوَ كَالْحُرِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ إِذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ مَنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ كَالْحُرِّ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطَعْ مِنُكُمْ طَوْلاً} فخص الأحرار بتوجيه الْخِطَابِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: {ذَلَكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ} فَخَصَّهُمْ بِهِ أَيْضًا فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونُوا مَخْصُوصِينَ بِهَذَا الْمَنْعِ وَيَكُونَ الْعَبْدُ عَلَى إِطْلَاقِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا امْرَأَةً مِنْ جِنْسِهِ كَالْحُرِّ، إِذَا نَكَحَ أَمَةً يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ عليها حرة.

فأما قياسه على الحر فمنع مِنْهُ النَّصُّ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْحُرِّ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ عَارٌ لَا يَلْحَقُ الْعَبْدَ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ، وَأَنْ يَجْمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْنَ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ، وَأَنْ يَجْمَعْ بَيْنَ أَمَتَيْنِ كَمَا يَجْمَعُ بَيْنَ حُرَّتَيْنِ وَاللَّهُ أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِنْ عَقَدَ نِكَاحَ حرةٍ وأمةٍ مَعًا قِيلَ يَثْبُتُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَقِيلَ يَنْفَسِخَانِ مَعًا، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ نِكَاحُ الْحُرَّةِ جائزٌ وكذلك لو تزوج معها أخته من الرضاع كأنها لم تكن (قال المزني) رحمه الله هَذَا أَقْيَسُ وَأَصَحُّ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ لِأَنَّ النكاح يقوم بنفسه ولا يفْسدُ بِغَيْرِهِ فَهِيَ فِي مَعْنَى مَنْ تَزَوَّجَهَا وقسطاً مَعَهَا مَنْ خمرٍ بدينارٍ فَالنِّكَاحُ وَحْدَهُ ثابتٌ والقسط الْخَمْر وَالْمَهْر فَاسِدَانِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ المسألة فيمن يحل له نكاح الأمة يزوج بِحُرَّةٍ وَأَمَةٍ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ ثُمَّ يَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا حُرَّةً فنكاحهما صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ نَكَحَ الْأَمَةَ عَلَى الشَّرْطِ الْمُبِيحِ، ونكح الْحُرَّةِ بَعْدَ الْأَمَةِ صَحِيحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>