وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَصِحُّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَيَبْطُلُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وتنكح الحرة على الأمة " وهذا نص؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ نِكَاحٍ فَلَمْ يَبْطُلْ مَا تَقَدَّمَهُ من النكاح كما لو نكح حرة عَلَى حُرَّةٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْحُرَّةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُ بَعْدَهَا بِالْأَمَةِ فَنِكَاحُ الْحُرَّةِ صَحِيحٌ، وَنِكَاحُ الْأَمَةِ بَعْدَهَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بَعْدَ الْحُرَّةِ ثَانِيًا إِذَا كَانَ عَادِمًا لِلطَّوْلِ، خَائِفًا لَلَعَنَتِ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَزَوَّجَهُمَا مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَنِكَاحُ الْأَمَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قد صار بعقده عليهما مع الحرة قَادِرًا عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَهَلْ يُبْطِلُ نِكَاحَ الْحُرَّةِ أَمْ لَا؟ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْبَيْعِ إِذَا جَمَعَ الْعَقْدُ الْوَاحِدُ حَلَالًا وَحَرَامًا كَبَيْعِ خَلٍّ وَخَمْرٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أو بيع حر وعبد في عقد واحد فيبطل البيع فِي الْحَرَامِ وَفِي بُطْلَانِهِ فِي الْحَلَالِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ فِي الْحَلَالِ تَعْلِيلًا بِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْجَمْعِ بينهما حكم في انفرادها، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ جَائِزًا وَإِنْ كَانَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بَاطِلًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ فِي الْحَلَالِ لِبُطْلَانِهِ فِي الْحَرَامِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّ اللَّفْظَةَ الْوَاحِدَةَ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا، فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا انْتَقَضَتْ، فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ كَمَا بَطَلَ نِكَاحُ الأمة؛ لأن لفظ العقد عليهما واحد.
والوجه الثَّانِي: أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا الْجَهَالَةُ بِثَمَنِ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ مَا قَابَلَ الْحَرَامَ مِنَ الثَّمَنِ مَجْهُولٌ فَصَارَ ثَمَنُ الْحَلَالِ بِهِ مَجْهُولًا، فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ بِهِ مِنَ الْعَقْدِ مَا كَانَ مَوْقُوفَ الصِّحَّةِ عَلَى الْأَعْوَاضِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الَّذِي لَا يَصحُّ إِلَّا بِذِكْرِ مَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ، فَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لَا تَقِفُ صِحَّتُهَا عَلَى الْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ، وَالْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ فَيَصِحُّ الْحَلَالُ مِنْهَا وَإِنْ بَطَلَ الْحَرَامُ الْمُقْتَرِنُ بِهَا فَيَكُونُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ صَحِيحًا، وَإِنْ بَطَلَ نكاح الأمة، وفيما تستحقه مِنَ الْمَهْرِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِبْطَالُ الْمُسَمَّى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قِسْطُ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنَ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَنْ نَكَحَ أَرْبَعًا فِي عَقْدٍ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ تصيح نِكَاحِ الْحُرَّةِ مَعَ فَسَادِ نِكَاحِ الْأَمَةِ إِلَّا أنه استدل لِصِحَّتِهِ بِمِثَالٍ صَحِيحٍ، وَحِجَاجٍ فَاسِدٍ.
أَمَّا الْمِثَالُ الصَّحِيحُ فَهُوَ قَوْلُهُ: " وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ مَعَهَا أُخْتَهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ "؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَمَعَ فِي العقد الواحد بين أختها وأجنبية كان لجمعه بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَيَبْطُلُ نكاح أخته وفي نِكَاحِ الْأَجْنَبِيَّةِ قَوْلَانِ.