[باب جامع الأيمان]
[(مسألة:)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَإِذَا كَانَ فِي دارٍ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا أَخَذَ فِي الْخُرُوجِ مَكَانَهُ وَإِنْ تَخَلَّفَ سَاعَةً يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا كَانَ سَاكِنًا فِي دَارٍ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُسْكِنَهَا فَإِنْ بَادَرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا عَقِيبَ يَمِينِهِ بَرَّ وَلَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَ القُدْرَة عَلَيْهِ حَنِثَ، سَوَاءٌ قَلَّ مُقَامُهُ، أَوْ كَثُرَ وَشَرَعَ فِي إِخْرَاجِ رِجْلِهِ، أَوْ لَمْ يَشْرَعْ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَقَامَ بَعْدَ يَمِينِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَنِثَ، وَإِنْ أَقَامَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ السُّكْنَى إِلَّا بِاسْتِكْمَالِ هَذَا الزَّمَانِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَقَامَ لِنَقْلِ رَحْلِهِ وَجَمْعِ مَتَاعِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَقَامَ لِغَيْرِ ذَلِكَ حَنِثَ، لِأَنَّهُ بِإِخْرَاجِ مَتَاعِهِ مُفَارِقٌ لِحُكْمِ السُّكْنَى، وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: قَدْ حَنِثَ بِنَفْسِ الْيَمِينِ، وَلَا يَبَرُّ أَنْ يُبَادِرَ بِالْخُرُوجِ، لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى السُّكْنَى قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمُقَامِ فِيهَا سُكْنَى لِاسْتِصْحَابِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَالِهِ فَحَنِثَ لِانْطِلَاقِ اسْمِ السَّكَنِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِذَا بَادَرَ بِالْخُرُوجِ فَهُوَ تَارِكٌ وَلَا يَكُونُ تَرْكُ الْفِعْلِ جَارِيًا مَجْرَى الْفِعْلِ، لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ، فَيَبْطُلُ بِهِ قَوْلُ زُفَرَ، ثُمَّ يُقَالُ لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ: قَدْ وَافَقْتُمَا أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَلَبِثَ فِيهَا بَعْدَ يَمِينِهِ حَنِثَ كَذَلِكَ، إِذَا حَلَفَ لَا يُسْكِنُهَا، لِأَنَّ الْمُقَامَ فِيهَا سُكْنَى وَالسُّكْنَى فِيهَا مقامٌ، وَيَتَحَرَّرُ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ قِيَاسًا فَيُقَالُ: إِنَّ مَا حَنِثَ بِهِ فِي الْمُقَامِ حَنِثَ بِهِ فِي السُّكْنَى قِيَاسًا عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَعَ مَالِكٍ وَعَلَى مَنْ أَمْسَكَ عَنْ جَمِيعِ رَحْلِهِ وَقِيَاسُهُ مَعَ أبي حنيفة.
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَيَخْرُجُ بِبَدَنِهِ مُتَحَوِّلًا وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَتَرَدَّدَ عَلَى حَمْلِ مَتَاعِهِ وَإِخْرَاجِ أَهْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ ليس يسكنى ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute