للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي أنا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ تَزَوَّجَ أَمَّ سُلَيْمٍ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ فَأَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نِكَاحَهُ.

وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ التَّوَاصُلُ وَالْأُلْفَةُ، وَالصَّدَاقُ فِيهِ تَبَعٌ لِمَقْصُودِهِ، فَخَالَفَ عُقُودَ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَنْكُوحَةِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ تَرْكَ الْعِوَضِ فِيهِ لَا يُفْسِدُهُ.

فَأَمَّا كَرَاهَتُنَا لِتَرْكِ الصَّدَاقِ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَلِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: لِئَلَّا يَتَشَبَّهُ بِالْمَوْهُوبَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ.

وَالثَّانِي: لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْمُشَاجَرَةِ وَالتَّنَازُعِ إِلَى الْحُكَّامِ.

وَالثَّالِثُ: لِيَكُونَ مُلْحَقًا بِسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ فِيهَا الْمُعَاوَضَاتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْقَوْلُ فِي النِّكَاحِ إِذَا كان بمهر مجهول حرام

[مسألة]

قال الشافعي: " فَلَوْ عَقَدَ بمجهولٍ أَوْ بحرامٍ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا عَقَدَ النِّكَاحَ بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ حَرَامٍ، كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: إِنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ بِالْمَهْرِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ صَحَّ بِغَيْرِ مَهْرٍ مُسَمًّى.

اسْتِدْلَالًا بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ؛ لِفَسَادِ الْمَهْرِ فِيهِ. قَالَ: وَلِأَنَّهُ عَقْدُ نِكَاحٍ بِمَهْرٍ فَاسِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَالشِّغَارِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ بِبَدَلٍ فَاسِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَالْبَيْعِ.

قَالَ: ولئن صح النكاح بغير مهر، لا يَمْتَنِعُ أَنْ يَبْطُلَ بِفَسَادِ الْمَهْرِ كَمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِغَيْرِ أَجَلٍ وَغَيْرِ خِيَارٍ، وَيَبْطُلُ بِفَسَادِ الْأَجَلِ وَفَسَادِ الْخِيَارِ.

وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مرشدٍ وَشَاهِدَيْ عدلٍ " فَتَضَمَّنَ هَذَا الْخَبَرُ نَفْيَ النِّكَاحِ بِعِدَمِ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنَ، وَإِثْبَاتَ النِّكَاحِ بِوُجُودِ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ. وَهَذَا نِكَاحٌ بَوْلِيٍّ وَشَاهِدَيْنَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا.

وَلِأَنَّ فَسَادَ الْمَهْرِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَالْمَهْرِ الْمَغْصُوبِ، وَلِأَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحَّ بِالْمَهْرِ الصَّحِيحِ صَحَّ بِالْمَهْرِ الْفَاسِدِ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَبَانَ حُرًّا.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي فَسَادِ الْمَهْرِ أَكْثَرُ مِنْ سُقُوطِهِ، وَلَيْسَ فِي سُقُوطِهِ أَكْثَرُ مِنْ فَقْدِ ذِكْرِهِ، وَلَوْ فَقَدَ ذِكْرَهُ لَمْ يَبْطُلِ النِّكَاحُ، فَكَذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ فَاسِدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>