للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ)

فَإِذَا وَكَّلَ الْمُدَّعِي رَجُلًا بِطَلَبِ دَيْنٍ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ فَادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ أَبْرَأَهُ وَاسْتَوْفَاهُ وَأَرَادَ يَمِينَهُ، قِيلَ لَهُ: إنه مَا ثَبَتَ عَلَيْكَ ثُمَّ اطْلُبْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْيَمِينِ إِذَا وَجَدْتَهُ وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَحْبِسَ مَا ثَبَتَ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ بِمَا اسْتَحْدَثْتَهُ مِنَ الدَّعْوَى. فَإِنْ سَأَلَ إِحْلَافَ الْمُدَّعِي بِاللَّهِ لَقَدْ شَهِدَ شُهُودُهُ بِحَقٍّ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ جَرْحِ الشُّهُودِ، وَلِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْبَرَاءَةِ وَالِاسْتِيفَاءِ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يَحْلِفُ بِحَسْبَ مَا ادَّعَاهُ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْبَرَاءَةِ وَالِاسْتِيفَاءِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ عَلَيْهِ فَصَدَّقَهُ الْخَصْمُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَلَمْ يُقِمْ بِهَا بَيِّنَةً فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُدَّعِي لِلْوَكَالَةِ مِنْ أَمْرَيْنِ: -

أَنْ يَدَّعِيَ الْوَكَالَةَ فِي الْمُخَاصَمَةِ أَوْ يَدَّعِيَ الْوَكَالَةَ فِي قَبْضِ مَالٍ.

فَإِنِ ادَّعَى الْوَكَالَةَ فِي قَبْضِ مَالٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْخَصْمُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ دَفْعُ الْمَالِ إِلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا.

قَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا لَزِمَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُزَنِيِّ فِي مَوْضِعِهِ.

وَإِنِ ادَّعَى الْوَكَالَةَ فِي الْمُخَاصَمَةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَيَسْمَعُ تَخَاصُمَهُمَا لِأَنَّ إِقْرَارَ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَلَمْ يَكُنْ إِضْرَارًا به. وإنما هو قامة بينة على المطلوب يجوز مع حضور الموكل وَغَيْبَتِهِ.

(فَصْلٌ)

وَإِنِ اجْتَمَعَ الْخَصْمَانِ عَلَى أَنْ وَكَّلَا رَجُلًا وَاحِدًا وَكَانَ تَوْكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مُخَاصَمَةِ صَاحِبِهِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ جَازَ وَإِنْ كَانَ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُثْبِتُ عَلَى كل واحد مِنْهُمَا حُجَّةَ صَاحِبِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا فِي تَحْقِيقِ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ مَا يُنَافِيهِ فَيُعَارِضُ بَعْضُ قَوْلِهِ بَعْضًا. وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَاصِمَ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَقُومُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ نَفْسِهِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا أَوْكَلَ الرَّجُلُ رَجُلًا في مخاصمة رجل عند قاضي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ، وَلَا لَهُ إِنْ عُزِلَ الْقَاضِي أَنْ يُخَاصِمَهُ عِنْدَ الْمُوَلَّى مَكَانَهُ. وَلَوْ أَطْلَقَ ذِكْرَ الْقَاضِي وَلَمْ يُعَيِّنْهُ جَازَ أَنْ يُخَاصِمَ عِنْدَ مَنْ صَلُحَ أَنْ يَنْظُرَ بَيْنَهُمَا مِنَ القضاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>