أَحَدُهُمَا: يَكُونُ صَرْفًا عَنِ النَّظَرِ فِيهِ فَلَا يَحْكُمُ فِيهِ بِإِيجَابِ قَوَدٍ وَلَا بِإِسْقَاطِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْلِيدُ صَحِيحًا فِيمَا عَدَاهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الصَّرْفَ وَيَصِيرُ النَّهْيُ عَنْهُ أَمْرًا بِضِدِّهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَمِنَ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ.
فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ لَفْظِ الشَّرْطِ صَحَّ التَّقْلِيدُ مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ وَحَكَمَ فِيهِ بِمَا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ مِنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ أَوْ إِسْقَاطِهِ.
وَإِنِ اقْتَرَنَ بِلَفْظِ الشَّرْطِ بَطَلَ التَّقْلِيدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَإِنْ حَكَمَ الْعِرَاقِيُّونَ بِصِحَّتِهِ مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ.
(فَصْلٌ: سَبْرُ الإمام أحوال البلاد قبل التقليد)
:
فَإِذَا اسْتَقَرَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ وَأَقْسَامِهَا فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْبُرَ أَحْوَالَ الْبِلَادِ فِي الْقَضَاءِ وَيَكْشِفَ عَنْ أَحْوَالِ الْقُضَاةِ فِيهَا.
فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ فِي الْبَلَدِ قَاضِيًا مُسْتَحِقًّا لِلنَّظَرِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهُ.
وَإِنْ عَلِمَ أَنْ لَا قَاضِيَ فِيهِ أَوْ فِيهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَلِّدَ فِيهِ قَاضِيًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا.
فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ كَانَ تَقْلِيدُهُ لِمَعْرِفَتِهِ بِهِ وَبِأَهْلِهِ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ الْغَرِيبِ.
فَإِنْ عَدَلَ عَنْهُ إِلَى غَرِيبٍ صح تقليده.
(تقليد غير المعين)
:
فَإِنْ قَلَّدَ الْإِمَامُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَقَالَ مَنْ نَظَرَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِي قَضَائِهَا فَهُوَ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِي لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ.
فَإِنْ قَالَ: مَنْ نَظَرَ فِيهِ مِنْ عُلَمَائِهِ فَقَدْ قَلَّدْتُهُ لَمْ يَجُزْ لِلْجَهْلِ بِهِ.
فإن ذكر عدد الصور فَقَالَ إِنْ نَظَرَ فِيهِ يَزِيدُ أَوْ عَمْرٌو أَوْ بَكْرٌ فَقَدْ قَلَّدْتُهُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُقَلَّدَ مِنْهُمْ مَجْهُولٌ.
وَلَوْ قَالَ إِنْ نَظَرَ فِي قَضَاءِ الْبَصْرَةِ زَيْدٌ فَقَدْ قَلَّدْتُهُ لَمْ يَصِحَّ تَقْلِيدُهُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عُلِّقَ بِشَرْطٍ.
وَلَكِنْ لَوْ ذَكَرَ عَدَدًا أَسْمَاهُمْ وَقَلَّدَهُمْ ثُمَّ قَالَ فَأَيُّهُمْ نَظَرَ فِيهِ فَهُوَ الْقَاضِي دُونَ غَيْرِهِ صَحَّ التَّقْلِيدُ فِي النَّاظِرِ سَوَاءٌ قَلَّ الْعَدَدُ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَظَرَهُ عَزْلًا لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا في تقليده.