للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّرَاءِ، وَهُوَ الظَّهْرُ، لِأَنَّهَا كَالظَّهْرِ الْمَرْكُوبِ.

وَالرَّابِعُ: إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّرَرِ وَهُوَ الْجِمَاعُ، لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِجِمَاعِهِ.

وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّتْرِ، لِأَنَّهُ قَدْ سَتَرَهَا بِالْخِدْرِ بَعْدَ الْبِذْلَةِ، وَسَتَرَ جِمَاعَهَا بِالْإِخْفَاءِ.

وَأَمَّا عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فِي التَّسَرِّي، فَهُوَ طَلَبُ الْوَلَدِ مِنْهَا، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْإِنْزَالِ وَالْجِمَاعِ، وَقَدْ نَصَّ عليه الشافعي في الأمر فِي اللِّعَانِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ، أَنَّهُ يَصِيرُ مُتَسَرِّيًا بِهَا إِذَا جَامَعَ وَأَنْزَلَ، وَلَا يَصِيرُ مُتَسَرِّيًا إِذَا جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ مُتَسَرِّيًا إِذَا جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ، وَخَرَّجَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَجْهًا ثَانِيًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، تَغْلِيبًا لِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى عُرْفِ اللُّغَةِ، لِأَنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ نَاقِلٌ.

وَاخْتُلِفَ فِي تَخْدِيرِهَا عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ، هَلْ يَكُونُ شَرْطًا فِي كَمَالِ السِّرَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ، لِأَنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ وَاللُّغَةِ جَارِيَانِ بِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُعْتَقُ بِالْجِمَاعِ وَحْدَهُ، حَتَّى يُخَدِّرَهَا وَيَسْتُرَهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ، لِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ لَا يُوجِبُ تَخْدِيرَ الْأَمَةِ، فَصَارَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ مَخْصُوصًا بِهِ، فَعَلَى هَذَا يُعْتَقُ بِالْجِمَاعِ وَحْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُخَدِّرْهَا.

فَأَمَّا جِمَاعُهَا دُونَ الْفَرَجِ، فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُتَسَرِّيًا وَجْهًا وَاحِدًا، وَوَافَقَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ بِهِ مُتَسَرِّيًا.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ، فَقَالَ لَهُمَا: إِذَا جَاءَ غَدٌ، فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَإِذَا جَاءَ غَدٌ، وَهُمَا فِي مِلْكِهِ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا، وَعَيَّنَ الْعِتْقَ فِيمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.

فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَهُ قَبْلَ غَدٍ، وَجَاءَ غَدٌ وَأَحَدُهُمَا باقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُعْتَقُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ التَّخْيِيرَ ارْتَفَعَ بِعَدَمِ غَيْرِهِ، فَتَعَيَّنَ الْعِتْقُ فِيهِ.

وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ مَا أُبْهِمَ بِاللَّفْظِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالْحُكْمِ.

أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ، وَعَبْدِ غَيْرِهِ: أَحَدُهُمَا حُرٌّ، لَمْ يَتَعَيَّنِ الْعِتْقُ فِي عَبْدِهِ؟ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، لَمْ يَتَعَيَّنِ الطَّلَاقُ فِي زَوْجَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>