للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْحِجَاجُ الْفَاسِدُ فَهُوَ قَوْلُهُ: " فَهِيَ فِي معنى من تزوجها وقسطاً مَعَهَا مَنْ خَمْرٍ بِدِينَارٍ فَالنِّكَاحُ وَحْدَهُ ثَابِتٌ والقسط من الخمر فَاسِدٌ " وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَجْهِ فَسَادِ هَذَا الِاعْتِلَالِ وَالِاحْتِجَاجُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ إنَّ وجه فَسَادِهِ أَنَّهُ إِذَا زَوَّجَهُ وَزِقًّا مِنْ خَمْرٍ بدينار فهما عقدان بيع ونكاح، كأن يَقُولُ: بِعْتُكَ هَذَا الْخَمْرَ وَزَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ بِدِينَارٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْعَقْدَيْنِ فِي صِحَّةِ أَحَدِهِمَا وَفَسَادِ الْآخَرِ عَلَى الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فِي أَنَّ فَسَادَ بَعْضِهِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ باقيه؛ لأن العقد الواحد حكم واحد، وللعقدين حكمان.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ وَجْهَ فَسَادِهِ أَنَّهُ فِي النِّكَاحِ وَالْخَمْرِ بِدِينَارٍ قَدْ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْنَ نِكَاحٍ وَبَيْعٍ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا، وَالشَّافِعِيُّ قَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي العقد الواحد إذا جمع شيئين مختلفي الحكم كبيع وإجارة، أو رهن وهبة فله قولان:

أحدهما: أنهما باطلان بجمع الْعَقْد الْوَاحِد بَيْنَ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا جَائِزَانِ لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِمَا عَلَى صِحَّةِ مَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ في أحدهما والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي: " وَلَوْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يُفْسِدْهُ مَا بَعْدَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا تَزَوَّجَ الْحُرُّ أَمَةً عَلَى الشَّرَائِطِ الْمُبِيحَةِ ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الشَّرَائِطُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَن أَمِنَ الْعَنَتَ بَعْدَ خَوْفِهِ أَوْ وَجَدَ الطَّوْلَ بَعْدَ عَدَمِهِ أَوْ نَكَحَ حُرَّةً بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ فَنِكَاحُ الأمة على صحة ثبوته.

وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: إِنْ أَمِنَ الْعَنَتَ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَإِنْ وَجَدَ الطَّوْلَ أَوْ نَكَحَ حُرَّةً بَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ) {النساء: ٢٥) فَجَعَلَ عَدَمَ الطَّوْلِ شَرْطًا فِي إِبَاحَةِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي إِبَاحَتِهَا انْتِهَاءً، قَالَ: وَلِأَنَّ زَوَالَ عِلَّةِ الْحُكْمِ مُوجِبٌ لِزَوَالِهِ، وَالْعِلَّةُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ عَدَمُ الطَّوْلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ مُوجِبًا لِبُطْلَانِ نِكَاحِهَا، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَانْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) {النور: ٣٢) الْآيَةَ فَنَدَبَ إِلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى الغنى بعد الفقر، فلم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْغِنَى الْمَوْعُودُ بِهِ فِي النِّكَاحِ مُوجِبًا لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ، وَلَا عَدَمُ الطَّوْلِ شَرْطًا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ كَمَا أَنَّ خَوْف العنت شرطاً فِي نِكَاحِهَا فَلَمَّا لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهَا إِذَا زَالَ الْعَنَتُ لَمْ يَبْطُلْ إِذَا وَجَدَ الطَّوْلَ، وَلِأَنَّ الطَّوْلَ بِالْمَالِ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْبَقَاءِ وَالِاسْتِدَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْإِنْفَاقِ لَا لِلْبَقَاءِ وَمَا لَمْ يراد لِلْبَقَاءِ إِذَا كَانَ شَرْطًا فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي اسْتَدَامَتِهِ كَالْإِحْرَامِ وَالْعِدَّةِ بالعقد لم يبطل ولما كانت الردة والرضاع يردان للاستدامة لأن الردة دين يعتقد المرتد لِلدَّوَامِ وَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الِابْتِدَاءِ وَالِاسْتِدَامَةِ كَذَلِكَ الْمَالُ لَمَّا لَمْ يُرَدْ لِلِاسْتِدَامَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الِاسْتِدَامَةِ كالإحرام والعدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>