(فَصْلٌ:)
وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا تَعَلَّقَ وُقُوعُهُ بِرَأْسِ الشَّهْرِ، فَيَقُولُ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ هَذَا الْخُلْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خُلْعٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ عَقْدَ الطَّلَاقِ مُعَجَّلٌ، وَإِنْ كَانَ وُقُوعُهُ مُؤَجَّلًا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ قَبْلَ الشَّهْرِ زَوْجَةً يَسْتَبِيحُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، طُلِّقَتْ طَلَاقًا بَائِنًا بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ، وَاسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْأَلْفِ بِصِحَّةِ الْخُلْعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّهُ خُلْعٌ فَاسِدٌ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِالطَّلَاقِ حَالُ وُقُوعِهِ دُونَ عَقْدِهِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَةً فَقَالَ لَهَا: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَحْنَثْ بِقَوْلِهِ، فَإِذَا دَخَلَتِ الدَّارَ حَنِثَ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ مُؤَجَّلًا فَصَارَ طَلَاقًا إِلَى أَجَلٍ.
وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ يَصِيرُ مَالِكًا لِلْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ تَمْلِكَ نَفْسَهَا بِالطَّلَاقِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ طُلِّقَتْ طَلَاقًا بَائِنًا، سَوَاءً قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّ الْأَلْفِ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَدِ انْعَقَدَتْ صِفَتُهُ بِالْبَدَلِ فَلَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إِلَى رَدِّهِ فَوَقَعَ، وَالْبَدَلُ فِيهِ مَعْلُومٌ عَلَى قَوْلِ الْبَغْدَادِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فَفِيمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِمَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَهْرُ المثل.
والثاني: مثل الألف.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَتَا طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ ثُمَّ ارْتَدَّتَا فَطَلَّقَهُمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ وَقَفَ الطَّلَاقُ فَإِنْ رَجَعَتَا فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهُمَا وَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَقَالَتَا لَهُ طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ، فَمِنْ تَمَامِ هَذَا الطَّلَبِ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ عَلَى الْفَوْرِ جَوَابًا لَهُمَا، لِأَنَّهَا إِجَابَةٌ يُرَاعَى فِيهَا على الْفَوْر، وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهُمَا حَتَّى تَرَاخَى الزَّمَانُ، بَطَلَ حُكْمُ الطَّلَبِ، وَصَارَ مُبْتَدِئًا بِالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ تَقَدَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ فِيهِ الْعِوَضَ بَلْ قَالَ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا سَوَاءً قَبِلَتَاهُ أَمْ لَا، وَسَوَاءً بَذَلَتَا عَلَيْهِ عِوَضًا أَمْ لَا، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مُجَرَّدٌ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ فِيهِ، أَوْ طَلَبٍ تَقَدَّمَهُ، وَيَكُونُ مَا بَذَلَتَاهُ مِنَ الْعِوَضِ بَعْدَهُ هِبَةً مِنْهُمَا يُرَاعَى فِيهما حُكْمُ الْهِبَاتِ وَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الرَّجْعَةُ، وَإِنْ شَرَطَ فِيهِ الْعِوَضَ فَقَالَ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَبِلَتَا ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْحَالِ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِالْبَذْلِ وَالْقَبُولِ، فَاسْتَحَقَّ فِيهِ الْبَدَلَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلَاهُ لَمْ يَقَعْ، لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ، فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَسَأَلَتَاهُ أَنْ يُطَلِّقَهُمَا عَلَى الْأَلْفِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute